الديار: مريم نسر-
رغم سنوات الحرب الطويلة التي حملت معها الويلات لسوريا وشعبها من دمار وقتل وتشرّد وحصار، ورغم قساوة أيامها التي لا زالت حتى اللحظة بفعل استكمالها بحرب إقتصادية، إلا أن الشعب السوري يكاد يُجمِع أنها لم تكن أصعب من لحظات حدوث الزلزال المدمر الذي أصابها والذي خلّف ضحايا بحادثة تُجسّد المأساة الإنسانية بكل ما للكلمة من معنى…
طبعا الزلزال لم يُصِب سوريا فقط وإنما أصاب تركيا بأضعاف عدد الضحايا، عدا عن أنه الأكبر منذ 1939. وعادة عندما يحدث هكذا نوع من الحوادث “الإنسانية” تتسابق دول العالم لإغاثة شعوب الدول المنكوبة بشكل يتناسب مع الشعارات التي كانت ترفعها في الحروب التي تفتعلها أو تمولّها من أجل حريتهم وحقوقهم وحياتهم بحسب ما “تدّعي”، من هنا يمكننا طرح سؤال هل سيتطابق ذلك مع الشعب السوري؟
هذه المرة تشاركت كل من سوريا وتركيا المأساة، لكن من غير المعلوم أنهما سيتشاركان الإغاثة نفسها!!.. فسوريا دولة مُحاصرة وتفرض الولايات المتحدة عقوبات عليها، واقع يدفعنا لسؤال؟؟ كيف سيتعامل العالم معها؟
بعد وقوع الكارثة، كثرت بيانات العزاء والحزن ورفع العتب التي لا تحتاجها سوريا وقلّت بيانات الإغاثة التي تحتاجها بظل وضع مأساوي تعيشه البلاد.
كالعادة كانت ايران وروسيا والعراق سبّاقين بوقوفهم الى جانب دمشق مُتَحَدِّين القدر الأميركي الذي عرض تقديم المساعدات “الممكنة” لإغاثة المنكوبين بظل فرضه لحصار وعقوبات تُقيّد وتُخيف العديد من الدول في التعامل مع سوريا بكارثتها.
أما الدول الأوروبية التي تتغنى بالإنسانية وحقوق الإنسان كان موقفها خجولاً حيال سوريا وكأنه رفع عتب، ما يؤكد تقدّم الموقف السياسي على الإنساني، وأن كل ما تقوله “شعارات” لا أكثر.
وفيما يتعلق بموقف الدول العربية وتحديداً الخليجية، صحيح أن الإمارات استمرت بسياستها الإستباقية نحو سوريا بمد يدها ولحقت بها قطر وسبقتها الجزائر وتونس ومصر ، إلا أن غالبية البيانات لم تتخطَّ التعزية في سطورها.
أما في لبنان يُفصل الموقف الرسمي عن الموقف الشعبي ومواقف الأفرقاء السياسيين، كعادته حزب الله وضع كل إمكاناته لمساعدة سوريا بالإضافة الى حركة أمل، عدا عن المبادرات الشعبية الفردية، لكن كان لافتاً الغياب التام لمنظمات المجتمع المدني عن الحدث،
أما رسمياً، فالحسابات السياسية تبقى حاضرة ولا تلغيها المواقف الإنسانية، لذا رأينا بداية التفاوت في التعامل بين تركيا وسوريا بالرغم من المصاب ذاته، ففور إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال إغاثة تركيا غادرت البعثة اللبنانية التي ستشارك في عملية الإغاثة مطار بيروت الدولي إلى المنطقة المنكوبة. أما سوريا، صحيح أنه شكّل وفداً لزيارتها وكلّف قبله وزير الأشغال بمتابعة الملف معرباً عن الإستعداد لتقديم المساعدة، إلا أن السرعة في تلبية تركيا لم نرها مع سوريا رغم أنها أقرب، موقف أحرج ميقاتي إلا أنه على ما يبدو كان ينتظر الموقف الدولي حيالها قبل إصدار أي موقف له تجاه الدولة التي لم تقصّر تجاه لبنان رغم موقفه الرسمي منها، لكن “أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي”،
ففي اليوم التالي اتُخذ القرار على قاعدة “لا يصح ترك سوريا بكارثتها دون مساعدة بحجة قانون “قيصر”. فجاء إعلان حمية بالتنسيق مع ميقاتي ما يلي: “أنَّ أجواء لبنان ستكون مفتوحة بالكامل لهبوط الطائرات والسفن المحمّلة بالمساعدات الإنسانية على أنواعها إلى سوريا، كما سيتم إعفاؤها من كامل الرسوم والضرائب”، كما ستقف فرق الإغاثة اللبنانية إلى جانب أخوتها السوريين في المناطق المنكوبة”.
الكارثة هذه المرة إنسانية بحتة، لذلك يجب وضع السياسة جانباً ولا ينبغي أن يحول قانون قيصر دون تقديم المساعدات، فالمطلوب تقديم صورة الوضع الإنساني المأزوم في سوريا وأن تقوم المؤسسات الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بواجبها وتُثبت أن الإنسانية أقوى من العقوبات والحصار، فسوريا أصبحت اليوم مسؤولية إنسانية والسكوت هو استمرار المشاركة في التدمير.
من هنا يمكننا ان نسأل كل الذين تحدّثوا لسنوات عن حرية وحق الشعب السوري بالحياة.. أين هم اليوم من مأساته الإنسانية؟