بعد تركيا… هل لبنان معرّض لخطر حدوث زلزال؟

“حمد الله عالسلامة” الكلمة التي بدأ بها اللبنانيّون صباح اليوم التالي من الهزّة الأرضية التي شعروا بها فجر يوم الاثنين إثر زلزال تركيا المدمّر، والتي استمرت نحو 40 ثانية ملأت قلوب الكثيرين ذعرا، ودفعتهم الى التحاف الشوارع رغم العاصفة الشديدة و البرد القارس.

فلم تحصل الزلازل والهزات وما الفرق بينهما؟

أوضح رئيس الجمعية اللبنانية للتخفيف من أخطار الزلازل المهندس راشد سركيس لـ “الديار” إلى أنّ لا فرق بين الزلزال والهزة الأرضية وهكذا لكلّ كلمة مرادف في اللغات الثلاث العربية والفرنسية (Seisme et Tremblement de terre) والإنكليزية (Seism & Earthquake)، ويأتي الزلزال الحقيقي نتيجة تفلّت بين صفيحة تكتونية وأخرى، تضغطان باتجاه بعضهما بعضا، حتى بلوغ الذروة حيث يحصل التحرك الذي يحرّر كلّ واحدة في حركتها تجاه الأخرى، فتنتج عن هذه الحركة قوّة ضغط هائلة تصل بتاثيرها على سطح الأرض وتعطي هذا الشعور الكبير بالارتجاج، وتتحرك قواعد الأرض التي نبني عليها مما يتسبّب بما يصيب الأبنية.

ويتابع أنّ عدة زلازل حصلت في لبنان ولدينا تسجيلات كثيرة خلال القرون الماضية، ومن أهمها التي حصلت على فالق روم، وفالق اليمونة والسبب يعود الى وجود علامات كبيرة في الفارق بين طبقتين من الأرض التي تتفاوت في ارتفاعها، فلبنان يقع على تلاقي صفيحتين مختلفتين وتحرّك كل واحدة منها باتجاه الأخرى يحتّم وقوع زلازل فانزلاق الواحدة على الأخرى وتشكيل الجبال المرتفعة التي نراها على طول الأراضي اللبنانية.

الزلزال موضعي ولا ينتهي في غير مكان

تناقلت مجموعات الواتس آب والكثير من المواقع الإلكترونية مجموعة من الأخبار مفادها أنّ زلزالا كبيرا سيضرب لبنان بعد زلزال تركيا لوقوعهما على الفالق نفسه، وكذلك تسونامي، وهو ما نفاه سركيس، شارحا أنّ لا علاقة بين ما حصل اليوم في تركيا وبين ما يمكن أن يحصل في لبنان، وفي هذا المجال هناك أمثلة حقيقية كثيرة أظهرت أنّ الزلزال موضعي ولا ينتهي بالضرورة بتنفيس آخر في غير مكان.

وبالنسبة لوضعنا ومن الناحية العلمية الصرف، قال سركيس، إنّ خطر حصول زلزال في لبنان يبقى قائما كل يوم، وهذا لا يدعو بالضرورة للخوف، إذا عرفنا كيف نتعامل مع هذا الواقع بحكمة ومعرفة واسعة في هذا المجال، لافتا إلى أنّه لا يمكننا منع وقوع الزلزال ولكن يمكننا تفادي الكثير من أضراره ومخاطره بالتصرّف السليم والتحضير اللّازم في البناء وترتيب المحتويات والأشياء والحاجيات في أماكنها على أكمل وجه.

ماذا عن التسونامي؟

بالنسبة إلى التسونامي، أوضح سركيس أنّ هذه العملية تحصل عند انبعاث الزلزال في وسط قعر البحار، حيث تنفض الحركة الزلزالية المياه إلى فوق فتخلق موجة عالية عاتية تنتقل طبيعياً إلى الشاطئ لتنكسر هناك ولكن هذه الموجة تكون مرتفعة جداً فتأتي بالخراب على كلّ موضع تغطيه. وفي هذا المجال هناك عمل كبير حققته منظمات عالمية في سياق تغطية كلّ البحار باستشعارات تعطي المعلومات عند وقوع الزلزال وتعكس السرعة التي تسير بها الموجة، والوقت الذي يمكن خلاله إفراغ المنطقة من الناس وحماية حياتهم.

40 ثانية!

شغلت مدّة الهزة التي قدّرت بنحو 40 ثانية حيزا كبيرا من أحاديث اللبنانيين، باعتبارها المرّة الأولى التي تستمر فيها الهزّة طول هذا الوقت، ما يدعو للسؤال حول دلالة طول مدة الاراتدادات وخطورتها.

أشار سركيس إلى أنّ الزلزال له عدة تأثيرات فالقوة التي يعرفها الناس (مقياس ريختر) ليست هي المقياس العلمي الذي يستخدمه المهندسون، إنّما يعكس مستوى الحالة التي يصل إليها الضرر، أما العنصر الثاني فهو الوقت، فيمكن أن تكون قوّة الزلزال خفيفة نسبياً بينما يشكل ضرراً مضاعفاً بسبب الوقت الطويل الذي يكون قد أخذه، وفي عالم الزلازل لا يمكن الكلام عن قوّتها فقط بل عن الوقت الذي أخذته، كاشفا أنّ أكثر من ألف هزة أرضية بقوة خفيفة تحدث في لبنان سنوياً، وبوقت قصير فلا يشعر بها الكثير من الناس في المناطق المختلفة.

هل الأبنية القديمة هي الأكثر عرضة لخطر السقوط؟

شكّلت الأبنية القديمة مصدر خوف لساكنيها باعتبارها مهدّدة بالسقوط أكثر من الأبنية الجديدة، فيما شرح سركيس أنّ المخاطر التي تتعرّض لها الأبنية لا تختلف بين بناء قديم وحديث، فيمكن أن يكون البناء القديم متينا أكثر من البناء الجديد، وهذا يتعلق بمستوى تطبيق المعايير والمواصفات التي اعتمدها المهندسون وأصحاب المشاريع عند التشييد، وأعطى مثالا عن الأبنية التي شيّدت في الخمسينات، والتي كانت مربوطة كلّها بجسور مدلّاة وهي تشكل مستوى من المتانة القوية في تلك الأبنية، في حين توجد مبانٍ أكثر حداثة ولم تُحترم فيها المعايير اللازمة وقد تكون فيها مخاطر أكثر من القديمة.

ما الإجراءات التي علينا اتخاذها عند حدوث زلزال أو هزات أو تسونامي؟

شدّد سركيس على أنّ الاحتياطات التي يجب اتخاذها في مجال الحماية من الزلازل تبدأ من الفترات الهادئة، ومراحل البناء والتشييد، وهي تتطلب نشر ثقافة الوعي الكامل في مفاهيم التعاطي المباشر والسريع دون خسارة الوقت في التفكير للتصرف، فالمباني التي تحترم إنشاءاتها المعايير الهندسية السليمة، لا تتطلب الكثير من التصرفات المواكبة خلال وبعد الزلزال، في حين تبرز عند الآخرين الذين لم يحترموا القواعد والأصول، مشاكل أكثر تفاقماً وتتطلب منهم المزيد من الحيطة والحذر، لافتا إلى أنّ لا وجود لمرجع عميق في مجال الحماية والاحتياط في لبنان علما أنّه تمّ صرف الكثير من الأموال على هذه الأمور، ولكن من دون جدوى.

وبالنسبة إلى التسونامي أكّد أنّه يجب التيقظ إلى أنه لا يمكن مقاومة الطبيعة عندما تتحرّك، ونصح الناس بالتزام كلّ التوصيات التي تنشرها المراجع المختصة بالكوارث، والإبتعاد عن كلّ المخاطر التي تسببها على الشاطئ (التسونامي) وعلى البرّ الداخلي (المواقع التي فيها مباني شاهقة)، وقال إنّ الجمعية بصدد إصدار دليل قريباً للمساعدة على انقشاع المشهد لدى المواطنين والعيش بسلام ولو أننا لا نستطيع أن نمنع الزلزال من الحدوث، إنّما نستطيع أن نجعل أمكنتنا قادرة على التحمل والعبور بلا أضرار كبيرة، وحماية حياة الناس خاصةً.

خلاصة القول… عندما تريد الطبيعة أن تتنفس، فلا أحد يستطيع منعها أو حتى مقاومتها، لكن هذا لا يعفي الدولة من مسؤولية البقاء على جهوزية للتخفيف قدر الإمكان من الأضرار المحتملة، وأن يتثقف المواطن بكيفيّة التصرف في مثل هذه الكوارث، في بلد تعصف فيه الزلازل السياسية والمالية والمعيشية، وخطر الزلازل الطبيعية قائم دوما، فهل من يعي ويسمع؟

You might also like