في ٢٦ نيسان، يحتفل اللبنانيون بذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٥، تاريخٌ محفور في الذاكرة الجماعية كأحد أبرز محطات السيادة الوطنية، ولكن قلّة من يعرفون أو يقرّون بأن هذا الإنجاز لم يكن وليد لحظة أو توازنات دولية فقط، بل كان ثمرة نضال طويل، حمل لواءه التيّار الوطني الحر، بشجاعة وتفانٍ، يوم كانت أغلب القوى السياسيّة إمّا متخاذلة أو متواطئة مع الاحتلال السوري.
التيّار الوطني الحر، بقيادة العماد ميشال عون، خاض معركة تحرير الإرادة الوطنية منذ لحظة دخوله المعترك السياسي، يوم وقف وحده في وجه الهيمنة السورية، حين كان الكلام عن السيادة محرّماً، والمعارضة تُدفع ثمنها نفياً وسجناً ودمًا.
لم يساوم التيار، ولم يبدّل بوصلته، فكان الصوت الحرّ حين خرس الجميع، وكان الثبات يوم تغيّر الجميع.
اليوم، بعد عشرين عاماً تقريباً على ذلك الانتصار، يُجدّد التيار الوطني الحرّ موقعه الطليعي في الدفاع عن لبنان، وهذه المرّة في وجه احتلال من نوع آخر: النزوح السوري. منذ بدايات الأزمة السورية، رفع التيّار الصوت محذراً من تداعيات فتح الحدود على مصراعيها دون ضوابط، ومن خطر تحوّل النزوح من حالة إنسانية مؤقتة إلى واقع ديموغرافي دائم يهدّد التركيبة اللبنانية ويستنزف الاقتصاد الوطني ويُخلّ بالتوازنات الاجتماعية.
ورغم تجاهل معظم القوى السياسيّة لهذا الملف أو تعاطيها معه بخفّة أو استثمارها السياسي والمالي فيه، أصرّ التيّار على خوض هذه المعركة وحيداً، واضعاً نصب عينيه مصلحة لبنان أولاً. تحرّكاته لم تتوقّف، من المنابر المحلية إلى المحافل الدولية، من اقتراحات الحلول إلى فضح منظومة المستفيدين من بقاء النازحين.
ّوقد أثبتت الأيام صوابيّة مواقفه، مع تزايد نسب الجريمة، وانتشار البطالة، وتفاقم الأزمات البنيويّة بفعل هذا الوجود غير المنضبط.
التيار اليوم لا يحرّك ملف النزوح من باب العنصرية، بل من باب السيادة والكيان، لأن استمرار إقامة أكثر من مليونين ونصف مليون نازح سوري على الأراضي اللبنانية بلا أفق للعودة، تحوّلت من مسألة إنسانية إلى تهديد وجودي، يشبه الاحتلال في شكله وأخطاره، فما من دولة في العالم تحتمل هذا العبء دون أن تنهار.
تحرّك ٢٦ نيسان هذا العام ليس فقط لإحياء ذكرى الانسحاب السوري، بل ليكون نقطة انطلاق جديدة في معركة إعادة النازحين، معركة لا يجوز أن يخوضها التيّار وحده، بل على الشعب اللبناني بأسرِه أن ينتفض لسيادته، كما فعل في ٢٠٠٥.
لأننا نعرف من هم المدنيون بين النازحين، لكننا لا نعلم ما يُخبّئه هذا الوجود من خفايا أمنية واجتماعية واقتصادية قد تنفجر في أي لحظة.
في ٢٦ نيسان، التيار الوطني الحر يدعو اللبنانيين إلى استعادة المبادرة، لأن السيادة لا تتجزّأ، والاحتلال لا يتغيّر شكله، وإن غيّر لباسه …