في زمن صار فيه التهجّم بطولة، والانقلاب على المبادئ يُسوّق كصحوة، يخرج علينا البعض ممن كانوا في قلب التيار الوطني الحر، ليهاجموا جبران باسيل، ويتهّموه باطلاً بأنه “قليل الوفا”. كأنهم هم من كتبوا تاريخ الوفاء، أو دفعوا أثمانه. لكن من يعرف التيار، يعرف أن من يَتّهم اليوم هو من غادر، بينما من بقي، بقي على موقفه، ودفع الثمن.
التحالف مع حزب الله لم يكن يومًا علاقة تبعية، بل تفاهمًا سياديًا وطنيًا، وُلد من لحظة مصيرية: لحظة خوف على الوطن، لحظة حاجة إلى تثبيت الاستقرار. ورقة التفاهم كانت مشروعًا لبناء الدولة، لا لتقاسمها. كانت التزامًا مشتركًا: حماية لبنان، احترام الدستور، مكافحة الفساد، وتثبيت الشراكة الوطنية.
لكن مع الوقت، تغيّر المسار.
وهنا، وقف التيار وقالها بوضوح: لا. لا لحرب الإسناد، لا لتشويه ورقة وُلدت من أجل بناء الدولة.
فك التفاهم لم يكن انقلابًا، بل وفاءً لروحه الأصلية. التيار لم يخرج من التفاهم، بل رفض أن يبقى شاهد زور على تحريفه.
أما من تركوا التيار ، بعد أن اعتاشوا من اسمه، وتغنّوا بمواقفه، عادوا اليوم ليحاكموا من بقي. من بدّلوا جلدهم، يهاجمون من لم يبدّل. من نقلوا البارودة من ميلة لميلة، يعلّموننا معنى الوفاء. من غادروا عند أول مفترق، يتّهمون من بقي بأنه غيّر الطريق.
والأكثر سخرية؟ أن من قرروا فجأة أن “يكتشفوا” قلة الوفا، هم أنفسهم من بدّلوا كل شيء: الموقف، الخطاب، وحتى المبادئ.
فليتوقفوا عن توزيع شهادات الوفا، لأن من باع التيار واشترى التصفيق، لا يحق له أن يحاكم من بقي واقفًا وسط العاصفة.
من بدّل المواقف مثل ما يبدّل القناع، لا يملك حق السؤال عن الثبات.
ومن نقل البارودة من “ميلة لميلة”، لا يحق له أن يتفلسف على من حملها يوم كانت موجّهة ضد الاحتلال، لا ضد القضاء.
جبران باسيل لم يُبدّل، لم يُساير، ولم يتوارَ خلف موجةٍ عابرة.
وقف في وجه العاصفة، ودفع ثمن الوفاء من رصيده الشخصي، من سمعته، ومن صموده.
أما البعض ممن ينهالون عليه اليوم بالهجوم لغايات مكشوفة، فليتذكّروا:
الوفاء ليس حكاية تُروى، بل موقف يُدفع ثمنه.
وجبران دفعه، كاملاً، وبلا تردّد.
أما هم؟ فقد دفعوا التيار ثمناً لطموحاتهم وأمور أخرى، وباعوا أنفسهم على أول منبرٍ فتح لهم ذراعيه.
تخلّوا عن التاريخ، وركضوا نحو روايةٍ جديدة، حبْرها من دم التيار الذي خانوه.
فليصمتوا… من بدّل وجه البندقية لا يحق له أن يُعلّمنا معنى الثبات…
منسقة لجنة العلاقات العامة في التيار الوطني الحر