استطاع «اللوبي» المصرفي إقناع عدد من الوزراء الذين بدورهم يتولون إقناع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي باستخدام أصول الدولة غير المنتِجة في سبيل ردّ الودائع.
وأكدت مصادر متابعة «أنّ النقاش يدور حالياً على ماهية هذه الأصول سواء أكانت عقارية أم مؤسسات عامة أم امتيازات موجودة أو قابلة للإنشاء».
وتأتي النقاشات على مشاريع تطرح للقطاع الخاص كي يستثمرها على أن تربط إيراداتها بصندوق ردّ الودائع الذي اعترض عليه معظم النواب والوزراء، لأنه لا يقدّم التزاماً واضحاً للمودعين، بحسب رأيهم.
وأوضحت المصادر «أنّ اختيار الأصول غير المنتجة يأتي التفافاً على بند في الاتفاق مع صندوق النقد ينصّ على عدم التوسع في استخدام أصول الدولة لإطفاء الخسائر التي تزيد على 72 مليار دولار. فذلك البند، بحسب قراءات وزارية ونيابية ومصرفية، يعني الأصول المنتجة، وبالتالي يمكن التوسع في استخدام غير المنتجة».
في المقابل، حذّرت مصادر قانونية من هذا الطرح، ليس من باب التنكر لحقوق المودعين، بل لعدم الوقوع في فِخاخ ينصبها سياسيون ومصرفيون للدولة والمودعين معاً، وهي:
أولاً- سيثبت الطرح المذكور، إذا أقرّ بقانون، أنّ الدولة مسؤولة باعتبار الأزمة «نظامية». وهذا الاعتبار إذا اعتدّ به قانونياً يبرئ المصارف كلياً من مسؤوليتها، وبالتالي تتخلّص حتى من ردّ مبلغ الـ 100 الف للمودعين. كما أنّ الطرح يقفل الباب على أي مساءلة ومحاسبة قد تطال مسؤولين عامين ماليين ونقديين، وسيشبه العفو المالي العام.
ثانياً- يتعيّن السؤال عن الثقة في منظومة الحكم القائمة، وهل هي قادرة على تنفيذ هذا الطرح بحوكمة وشفافية وتنافسية وجدوى اقتصادية حقيقية، أم أنّ الأصول التي ستصنّف غير منتجة (العقارية منها وغير العقارية) ستذهب لمستثمرين محسوبين على هذا أوذاك، كما العادة؟
ثالثاً- أي استثمارات من هذا النوع تحتاج الى مناخ استثماري جاذب للمديين المتوسط والطويل، وهذا غير متوافر في ظل شبه انحلال الدولة المركزية والسلاح غير الشرعي والفساد المتفشي بتفاهم ضمني بين «المافيا» و»الميليشيا». فشركة «سوليدير» التي خطط لها قبل أكثر من 30 سنة لتكون جوهرة الشرق تحوّل معظمها الى أسواق شبه فارغة.
رابعاً- يمكن أن تستخدم الأصول العقارية العامة للمضاربة فتشتعل الأسعار الوهمية وتشكّل فقّاعة قابلة للإنفجار.
خامساً- كيف تتحول تلك الأصول التي بقيت غير منتجة منذ تأسيس لبنان الكبير الى مشاريع منتجة في ظل غياب أي تصور لاقتصاد لبنان في مدى الـ 20 الى ٣٠ سنة المقبلة؟ فهل تكون المشاريع خدمية و/أو صناعية و/أو زراعية و/أو تكنولوجية، وغيرها من القطاعات التي لا يحتاج تطويرها الى امتيازات وتراخيص وعقارات فحسب، بل الى رؤية 2040 أو 2050 للاقتصاد وهويته وتطوره، ودور لبنان الاقتصادي في المنطقة والعالم. فالقضية متعلقة بعشرات مليارات الدولارات وليست مشروعاً من هنا وآخر من هناك.
سادساً- يؤكد المطلعون على الأفكار المطروحة أنها مزيج لا يخلو من خدعة. فحتى تربح تلك المشاريع المليارية وتردّ الودائع تحتاج الى ما بين 25 و35 سنة، ما يعني أنّ المودعين سينتظرون كل هذه الفترة الطويلة، وإذا حصلوا على شيء فإنّ قيمته الفعلية مع مرور الزمن لن تزيد عن القيمة الباقية حالياً من الودائع أي ما بين 15 و20%.
سابعاً- يغيب عن ذهن طارحي هذه الأفكار أنّ الأجانب من حملة سندات «اليوروبوندز» ينتظرون الدولة «عند الكوع». فإذا صنّفت الودائع ديوناً على الدولة وربطت الديون بمشاريع فإنّ الدائن الأجنبي سيعتبر نفسه أولى بالاسترداد، وإلا ستُرفع دعاوى دولية ضد لبنان لا محالة.