الأخبار: إبراهيم الأمين-
في لبنان جمهور وقوى وشخصيات يريدون إنهاء الصراع مع إسرائيل، ويطالبون بتطبيق كل القرارات الدولية التي تهدف إلى أمر واحد: تجريد المقاومة من سلاحها!
بهدوء، كما يطالب كثيرون، وبعيداً عن الموقف من إسرائيل الذي ترون فيه لغة خشبية، فلنذهب معكم في رحلتكم. لكن، اسمحوا لنا أن نقرأ أحوالكم كما هي في حقيقة الأمر، أو كما نفهمها نحن.
بينكم فئة موجودة داخل مؤسسات الدولة كافة، وهي ليست صغيرة بالمناسبة. ولتسهيل النقاش، سنطلق على هذه الفئة اسم: رجال إنفاذ القانون.
وهناك فئة ثانية تضمّ أحزاباً وشخصيات أكثر صراحة في التعبير عن رغبتها بالوصول إلى السلطة بكل مؤسساتها، لكنها تغلّف ذلك بالدبلوماسية، فتقول إن على لبنان العودة إلى «حضن الشرعية الدولية»، وعدم إغضاب الولايات المتحدة، والالتزام بكل ما يطلبه «المجتمع الدولي»، بما في ذلك التوقف عن مهاجمة إسرائيل، وقطع العلاقات مع كل أعداء أميركا، والتقيّد بالقرارات الدولية. ويمكن أن نطلق على هؤلاء اسم «رجال الشرعية الدولية».
أما الفئة الثالثة، فهي الأكثر صراحة في التعبير عن كل ما يريده الأميركيون والأوروبيون وعرب النفط والغاز. وهي تقول إنها تريد نزعاً كاملاً لسلاح المقاومة وإقفال ملف الصراع مع إسرائيل، وتريد من الجيش اللبناني أن يستعين بالقوات الدولية، وبقوات متعددة الجنسيات إن لزم الأمر، للقيام بهذه المهمة على كل الأراضي اللبنانية وليس في منطقة عمل القرار 1701، كما تريد تنفيذ ما يصدر عن الحكومة الأميركية من عقوبات بحق أشخاص أو مؤسسات أو جهات. لكنها فئة تريد من كل العالم تولّي تنفيذ المهمة، وسنطلق على هذه الفئة اسم «الكسالى البلهاء».
وحتى لا نتوسّع في النقاش، تعالوا ننظر في أحوال القرار 1701 الذي تريد الفئات الثلاث تطبيقه، الآن وفوراً. فهؤلاء يعتبرون أن المقاومة منعت تطبيق القرار طوال 18 عاماً، ويعتبرون، عن سابق تصوّر وتصميم، أن عدم التزام لبنان بالقرار يبرّر لإسرائيل إيجاد طرقها الخاصة لضمان أمنها.
لكن كيف ننفّذ القرار 1701؟
بحسب الفئات الثلاث، سبب العدوان الإسرائيلي هو عدم التزام لبنان بالقرار. وبالتالي، علينا القيام بالأمر على نحو صحيح. وبما أن هؤلاء لا يريدون إغضاب المجتمع الدولي ولا إغضاب إسرائيل، فقد وجدوا الحل بأن نسأل إسرائيل والمجتمع الدولي عن الطريقة الأنسب لتطبيق القرار، وبعدها يكون علينا التزام ما يريده هؤلاء.
القرار 1701، كما أقرّته الأمم المتحدة، ينص على أن على القوات الدولية المنتشرة جنوب نهر الليطاني مساعدة الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها بواسطة الجيش اللبناني، الذي يُفترض أن ينشر قوات كبيرة في كل المنطقة، ويمنع وجود أي سلاح أو مسلحين لا يخضعون لإمرته… لكن، كيف يكون القرار الرسمي الذي يحدّد مهمة قوات الجيش قبل إرسالها إلى الانتشار جنوباً؟ وما هي المساعدة التي نريدها من القوات الدولية لتطبيق القرار 1701؟
هنا بيت القصيد، وهنا النقطة العالقة التي قد تفجّر المفاوضات الجارية الآن عبر الموفد الأميركي عاموس هوكشتين، إذ تطل الفئات اللبنانية الثلاث برأسها، معلنة أن فهمها لهذه المهمة مطابق تماماً لفهم الولايات المتحدة وإسرائيل والقوات الدولية لكيفية تطبيق القرار 1701. وكل هؤلاء يريدون نزع السلاح من أيدي المقاومين في الجنوب، ويريدون من الجيش تنفيذ كل ما من شأنه ضمان منع وجود أي سلاح في البيوت أو المزارع أو الوديان في كل المنطقة. وبالتالي، يقول هؤلاء إن الحكومة اللبنانية ستحدّد مهمة الجيش بضمان أمن إسرائيل، وبالقوة متى لزم الأمر.
لكنّ أيّاً من هذه الفئات، كما الولايات المتحدة والقوات الدولية، ليست في وارد الطلب من الجيش اللبناني أن يتصدّى للخروقات الإسرائيلية. وهم أصلاً لن يعطوه السلاح المناسب لمنع العدو من خرق القرار. بل كل ما يمكنه القيام به هو التوجه إلى لجنة الرقابة لتقديم الشكوى، وليس عليه انتظار أي جواب.
والفئات اللبنانية الثلاث تعرف أن إسرائيل لن تعمل بالطريقة نفسها، وأن جيش الاحتلال لن يكتفي بتسجيل شكوى لدى لجنة الرقابة وانتظار تحقيقاتها، بل يريد أخذ الأمور بيده. وهذا ما جعل إسرائيل تطلب صراحة، في المحادثات مع الأميركيين، ثم في مشروع الاتفاق، أن يكون «لها الحق في الدفاع عن نفسها»، ومعالجة الخرق بنفسها، من دون اعتراض أحد في لبنان أو خارجه. وهذه هي حقيقة ما يجري بحثه الآن، وهي الحقيقة التي يهرب الجميع من استحقاقها، تارة باسم كلفة الحرب، وطوراً باسم عدم القدرة على مواجهة العالم.
بناءً عليه، ما الذي يمكننا قوله لهذه الفئات الثلاث مجتمعة؟ وكيف لنا أن نشرح لها بأن الأمور لا تستوي على هذا النحو، وأنه لا يمكن لعاقل أن يقبل بأن تكون مهمة الجيش تنفيذ ما يريده العدو، فقط من أجل إرضاء المجتمع الدولي؟
الصراحة تقتضي القول لكل خصوم المقاومة إن بقاءها أمر حتمي وإن تطوير قدراتها وعناصر قوتها مهمة مفتوحة حتى زوال إسرائيل
وكيف يمكن أن نشرح لهؤلاء بأنه لا يمكن السماح لقوات دولية أو أطلسية أو أي نوع من القوى الأجنبية بالتصرف معنا وكأننا دولة تحت الاحتلال، وأنه لا يحق لأحد على وجه الأرض أن يفرض على قسم يمثّل بالتأكيد أكثر من نصف اللبنانيين، خيارات من هذا النوع؟
وما الذي يمكن أن نقوله لمن لا يزال يحدّثنا عن الشرعية الدولية والمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وكأنه لا يرى ما يحصل في غزة منذ 14 شهراً، ولم يسمع مدّعي عام المحكمة الدولية يقول إن مسؤولاً أميركياً «شرح» له أن هذه المحاكم قامت لملاحقة خصوم الغرب في أفريقيا، لا لملاحقة أصدقاء أميركا في إسرائيل؟
وما الذي يمكن أن نقوله لمن لا يزال يرفض إدانة جرائم العدو في لبنان، بينما لا يتوقف عن شتم المقاومين وهم يحملون دماءهم على أكفّهم ويتصدّون لقوات العدو التي تنتهك سيادة لبنان؟
ولأن الأمور على هذا النحو من الوضوح، فإن انتظار نتائج المفاوضات الجارية، هو انتظار واقعي، وتوقف العدوان هو حق لنا، والمساعدة على التوصل إلى اتفاق يوقف آلة القتل واجبٌ علينا. لكن، ما هو حق لنا وواجب علينا، أن نقول، صراحة، إن إسرائيل تبقى هي العدو الذي يجب إزالته من الوجود، وإن فلسطين هي الأرض التي تخصّنا جميعاً، وإن شعبها هو المثال الصارخ على ظلم الأقوياء في هذا العالم، وإن شباناً يخرجون من بين الركام ليلتحموا بالحديد الإسرائيلي ويقولوا له لا بدمائهم، هم المثال الحقيقي على الشجاعة والحرية والكرامة والإنسانية.
صحيح، نحن مختلفون على أساس الأمر. ولذلك، توجب الصراحة القول، بهدوء، إن نهاية هذه الجولة من الحرب مع العدو لا تعني نهاية رحلة المقاومة، وإن إعادة بناء عناصر القوة فيها، بشراً وقدرات وعقولاً وإمكانات، هي مهمة قائمة الآن، وستتعزّز لاحقاً وفي كل وقت.