طهران لدمشق: نعم للتطبيع مع أنقرة

الأخبار: علاء حلبي-

لم يخرج اجتماع «مجلس الأمن» لمناقشة الأزمة السورية بأيّ جديد يذكر، بعدما تحوّل المجلس على مدار السنوات الماضية إلى منبر تستثمره الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لمهاجمة دمشق، والتفاخر بالعقوبات المفروضة على سوريا، والتي تسبّبت بمراكمة التدهور المعيشي الذي تشهده البلاد.

 

والاجتماع الذي استفاض فيه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، في شرح الأبعاد التي وصلت إليها الأزمة السورية، شهد تركيزاً واضحاً من المندوب التركي في الأمم المتحدة، أحمد يلدز، على الملف الإنساني، وأزمة اللاجئين، الذين تحاول أنقرة جاهدة التخلص من عبئهم عن طريق الترحيل القسري، وبدء «صفحة جديدة» مع دمشق تمهّد الطريق أمام عودتهم إلى منازلهم وقراهم.

 

يأتي هذا في ظل تعثّر المسار الأممي للحل (اللجنة الدستورية)، والانخفاض غير المسبوق للدعم الذي تقدمه المنظمات الأممية للنازحين واللاجئين السوريين بسبب تراجع الدعم، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في خطاب الكراهية الذي يعانيه السوريون في دول الجوار (تركيا بشكل خاص).

 

وفي وقت حذّر فيه مدير التنسيق في «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» (أوتشا)، راميش راجاسينغهام، من «موجة هجرة جديدة في سوريا، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتدهورة وتردّي الوضع العام»، قال إن البلاد تعاني «أسوأ أزمة إنسانية منذ أكثر من 13 عاماً، حيث يحتاج أكثر من 16 مليون شخص إلى المساعدات، غالبيتهم من النساء والأطفال».

 

وإذ أشار المسؤول الأممي إلى أزمة «نقص التمويل» التي تعانيها مشاريع الأمم المتحدة، في ظل انشغال الدول المانحة، على رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، نبّه إلى أن «نقص التمويل يقيّد بشكل خطير قدرتنا على الحفاظ على هذه الأنشطة، فضلاً عن توسيع نطاقها»، مشدّداً على أهمية استمرار تدفق المساعدات إلى منطقة شمال غرب سوريا عبر المعابر الحدودية مع تركيا، نظراً إلى حجم الاحتياجات الإنسانية وتردّي الأوضاع المعيشية، علماً أن دمشق مدّدت بقرار سيادي إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر إضافية، كما مدّدت، في وقت سابق، قراراً يسمح بإدخال المساعدات عبر معبرَي باب السلامة والراعي الحدوديين مع تركيا.

 

وبعيداً عن مجلس الأمن، وفي سياق الجهود الروسية – العراقية المتواصلة لفتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة، أكدت طهران، التي حاولت وسائل إعلام سورية معارضة، وعربية، اتهامها بعرقلة جهود التطبيع، استمرار دعمها لهذه الجهود، والتي كانت جزءاً منها منذ مراحلها الأولى.

 

وقال كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، الذي زار دمشق وأجرى لقاءات مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، «إننا سعداء باستئناف المباحثات»، مشيراً إلى أن الاجتماعات الأولى بين سوريا وتركيا كانت في طهران، ومن ثم استمرت بشكل رباعي في موسكو، موضحاً أن زيارته لسوريا تأتي في سياق تعزيز العلاقات أكثر بين البلدين، ومشدداً على أن الحكومة الإيرانية الجديدة لديها الإرادة والعزيمة الجادة لتعزيز العلاقات.

 

بدورها، نفت أنقرة صحة ما نشرته صحيفة «ديلي صباح» التركية حول لقاء قريب جرت جدولته في شهر آب المقبل بين الرئيسين، السوري بشار الأسد، والتركي رجب طيب إردوغان.

 

ونقلت وكالة «أنكا» التركية عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية التركية، من دون أن تسمّيه، قوله إن الأنباء التي تفيد بأن إردوغان سيلتقي بالأسد «لا تعكس الحقيقة»، في إشارة إلى الجهود الطويلة التي يجب أن تسبق هذا اللقاء، ومن بينها لقاءات على مستوى الخبراء قالت بغداد إنها تستعدّ لاستفاضتها.

 

وكان الأسد قد أعلن أن بلاده منفتحة على أيّ جهود في هذا السياق، طالما أنها تستند إلى القوانين والمواثيق الدولية، مضيفاً أن الانفتاح بين البلدين يمكن أن يحصل في حال عودة الأوضاع إلى ما قبل 2011، في تأكيد لتمسك دمشق بانسحاب الجيش التركي غير الشرعي من البلاد وقطع تركيا علاقتها بالفصائل المسلحة.

 

وبدأت تركيا، بالفعل، التمهيد لهاتين النقطتَين عبر لقاءات مكثفة مع الفصائل والجهات التي تمثّل المعارضة السورية من جهة، والتصريحات الإعلامية، والتي كان آخرها تصريحا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي قال إن «مصير المعارضة ومناطق سيطرتها مرتبط بقرارات الأمم المتحدة»، لافتاً إلى أن «هناك خطوات يجب أن تتخذها تركيا بالتعاون مع الحكومة السورية، مثل أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين بشكل آمن»، من جهة أخرى.

 

في غضون ذلك، خرجت النسخة الثانية من مؤتمر «مكافحة المخدرات» الذي استضافته العاصمة العراقية، بغداد، ببيان توافقي بين الدول المشاركة (سوريا والسعودية ولبنان والأردن والكويت ومصر وإيران وتركيا) يشدّد على ضرورة تعزيز آليات العمل المشترك، واعتماد مبدأ التكامل في العمل الأمني من أجل قطع طرق تهريب المخدرات، ومنع زراعتها وتصنيعها بمختلف أشكالها ومتابعة العصابات التي تنشط في هذا المجال وتفكيكها والقضاء عليها، وتحديث قواعد البيانات الخاصة بالمجرمين والمطلوبين في قضايا الاتجار بالمخدرات لدى الدول المشاركة وحمايتها من الاختراق للاستفادة منها في عمليات التعقب والضبط لهذا النوع من الجرائم.

 

بدوره، أشار وزير الداخلية السوري، محمد الرحمون، الذي شارك في الاجتماع، إلى الجهود التي تبذلها بلاده في مكافحة هذه الآفة، معرباً عن أمله بـ«أن يصبح التعاون والتنسيق على مستوى دول المنطقة كلها».

 

وأكّد الرحمون انفتاح سوريا على «التنسيق والتعاون مع الجميع في سبيل ذلك وتبادل المعلومات والخبرات والمساعدة القانونية والتقنية لمكافحة تلك الآفة ومنع انتشارها»، في إشارة إلى «الاتفاق الرباعي» بين وزراء داخلية العراق والأردن وسوريا ولبنان في شباط 2024، والذي وضع أرضية واضحة لتشكيل حزام أمني لمكافحة المخدرات، بالاستناد إلى «المبادرة العربية»، المدعومة من السعودية، والتي وضعت هذه القضية على رأس بنودها، إلى جانب مسائل أخرى؛ من بينها إعادة الإعمار (دعم مشاريع التعافي المبكر) وفتح الباب أمام عودة النازحين واللاجئين.

You might also like