سوريا: تكاثر حوادث الاختطاف والتغييب: رقعة الفلتان الأمني تمتدّ

الأخبار: لمى علي-

وصلت عدوى الاختطاف التي انتشرت أخيراً في سوريا، إلى القامات العلمية من الأطباء وأساتذة الجامعات، في ظلّ صعوبة ضبط الفلتان الأمني المنفلش في البلاد.

 

وفيما لا يزال غير ممكن التأكُّد من خلفية تلك الأفعال، وما إذا كانت «حالات فردية» كما تطلِق عليها الإدارة الجديدة، أو أنها عمليات انتقام، أو ربما اعتقالات تعسفية تشرف عليها الحكومة نفسها، فإن ما هو معروف، أن هذه الأخيرة أعلنت نيّتها محاسبة كلّ فاسد ومجرم، من دون أن تضع خطّة واضحة لكيفية القيام بذلك.

 

وفي واحدة من تلك الحوادث، أُخذ طبيب الأطفال، قصي الزير، قسراً من عيادته الكائنة في قلب العاصمة دمشق، على يد أربعة مسلّحين ملثّمين قالوا إنهم من عناصر «الهيئة»، ومضى على غيابه خمسة أيام، من دون أن يُعرف مصيره، رغم أن العناصر الذين اعتقلوه أكدوا أنه «سيعود بعد ساعة، فالموضوع مجرد سؤال وجواب».

 

لكن الحادثة أثارت حفيظة فئة كبيرة من السوريين الذين يعرفون الطبيب، في مقابل أصوات شامتة بما حصل معه، ووصْفه من قِبَل هؤلاء بأنه من «فلول النظام»، وفقاً لما درجت عليه الأعراف أخيراً، معتبرين أنه ينال عقابه لكونه أحد الفاسدين في عهد النظام السابق، علماً أنه شقيق أحد نواب مجلس الشعب السابق، وعضو قيادة في فرع دمشق لـ«حزب البعث» سابقاً.

 

وفي حين لم تعلّق الحكومة المؤقتة على حادثة الاختطاف، إلّا أنها أصدرت، بعد أيام عدة، قراراً بإقالة الزير من منصبه كرئيس قسم الأطفال في مستشفى «المجتهد»، وعيّنت محلّه طبيباً آخر.

 

«الحالات الفردية ستصبح ممنهجة إذا ما استمرّ العمل خارج القانون»

وفي محافظة حمص، اختُطفت الأستاذة في كلية الآداب في جامعة حمص، رشا العلي، على يد مجموعة مسلحة، وذلك أثناء توجُّهها إلى عملها في قسم اللغة العربية.

 

وتعليقاً على الحادثة، أعرب «اتحاد الكتاب العرب» في سوريا، في بيان، عن قلقه العميق إزاء ما جرى، مطالباً بالتحرُّك للإفراج عن العلي، واصفاً مساهماتها في مجالات النقد الأدبي بـ«القيّمة». ومع ذلك، لم تسلم المحاضرة الجامعية من تحريض تولّاه بعض زملائها وطلابها في الجامعة، على خلفية مناهضتها «الأفكار المتطرّفة»، ومنعها الطالبات من ارتداء النقاب داخل الحرم الجامعي.

 

ولم يصدر، إلى الآن، أيّ ردّ فعل رسمي على ما جرى، إلا أن روّاد مواقع التواصل الاجتماعي استذكروا واقعة اعتقال نائب عميد كلية الصيدلة في جامعة الشام الخاصة، سلطان الصلخدي، من قِبَل الأمن العام، والإفراج عنه بعد ساعات، لدى اكتشاف أن الشكوى ضدّه كيديّة، وتقدّمت بها إحدى طالباته.

 

وعلى هذه الخلفية، اعتذرت وزارة التعليم العالي للدكتور على الطريقة التي دخل بها عدد من المسلحين الملثّمين إلى حرم الجامعة واقتادوه أمام طلابه، فيما كتب الصلخدي، على «فايسبوك»: «سأقدّم شكوى ضدّ الأشخاص الذين أخذوني بهذه الطريقة غير اللائقة، وأيضاً ضدّ الطلاب الذين ادّعوا عليّ زوراً بممارسات لا أخلاقية، القصة انتهت وقتها، لكن اليوم في ظلّ الفوضى، يحاول البعض استغلال المواقف».

 

على أن السوريين يخشون تكرار ما جرى، وتطوّر تلك الحالات إلى ما هو أسوأ، إذ يشير الناشط والصحافي، رواد بلان، إلى أن «الحالات الفردية ستصبح ممنهجة إذا ما استمرّ العمل خارج القانون، وذلك لترهيب المجتمع وقمع الحريات بغية تثبيت العقلية الفصائلية التي تدير البلاد بعيداً من عقلية الدولة».

 

ويقول، لـ«الأخبار»: «نحن أمام خطر كبير عنوانه حالة اللا قانون في سوريا، حيث سنذهب إلى ما هو أخطر؛ مثل التفجيرات والاغتيالات»، مشيراً إلى توثيق عدد من حالات الاختطاف أو الاختفاء في محافظات سوريّة عدة تحت ذريعة «فلول النظام».

 

ويضيف: «هذه الحالة الفوضوية ستنتج منها ردة فعل عاجلاً أم آجلاً، إلا إذا تمّت محاسبة المتورّطين في تلك الجرائم والانتهاكات، ولا يمكن ذلك من دون وجود عدالة انتقالية مستقلّة ومحكمة جنايات دولية تلعب دوراً في الكشف والتحقيق ومحاسبة المجرمين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية».

You might also like