خفايا “معركة المغتربين”.. خطّة الإنقلاب الشامل – محمّد حميّة

يُدرِك ثنائي حركة أمل وحزب الله وحلفاؤه أن خوض فريق القوات والكتائب اللبنانية و”التغييريين” معركة تعديل المادة 112 من قانون الإنتخاب الحالي، لا يهدف لتعزيز الحقوق السياسية للمغتربين، بل اقتناص فرصة المُتغيّرات الكبرى في المنطقة والتبدل في موازين القوى، لتثبيت الأحجام النيابية وحصد المزيد من المقاعد المسيحية وإضعاف فريق المقاومة والتيار الوطني الحر وقوى أخرى، ما يُمهِد المسرح لتنفيذ الفصل الأخير من الإنقلاب السياسي الشامل بدفعٍ خارجي بإحكام القبضة النيابية والسياسية على لبنان، وانتزاع كُرسي الرئاسة الثانية بعد السيطرة على الرئاستين الأولى والثالثة، وفتح مرحلة جديدة في تاريخ لبنان عنوانها إخضاع البلد للمشروع الأميركي – الإسرائيلي وإلحاقه بالإتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل.
في المقابل يعرف “السياديون” و”التغييريون” أن الوضع الاغترابي عموماً والشيعي خصوصاً وحزب الله بشكلٍ أخص بعد جبهة الإسناد والحرب الأخيرة على لبنان ليس كما قبله، لجهة التحول في الرأي العام الإغترابي وتكثيف الضغوط والعقوبات الخارجية على البيئة الشيعية، ما يُعيق الحراك الإنتخابي للحزب والحركة في أغلب دول العالم، فقد تكون فرصة ثمينة لخصوم المقاومة لاستغلال هذا الخلل في التكافؤ الانتخابي في الخارج لتحقيق انتصار سياسي كبير على حزب الله وحلفائه.
مصادر نيابية في الثنائي ترى أن إعلان وزارة الخارجية تسجيل المغتربين في الخارج قبل إقرار الحكومة المراسيم التطبيقية للقانون النافذ، خطوة مخالفة للقانون، فضلاً عن أن آلية التسجيل تختلف بين قانون وآخر، وقد تسقط الدائرة الـ 16بحال لم تُقَر المراسيم التطبيقية وبالتالي العودة الى قانون ما قبل الـ2022 (اقتراع المغتربين في لبنان) فما جدوى التسجيل حينها؟، كاشفة أن الهدف من تسريع عملية تسجيل المغتربين من دون تحديد القانون، يهدف لتحديث “داتا الناخبين” في دول العالم لتسهيل رسم خريطة الترشيحات والتحالفات.
حصدَت القوات في انتخابات الـ 2022 حصّة وازنة من المقاعد المسيحية، مستفيدة من وجودها في المعارضة إبان عهد الرئيس ميشال عون، لكنها اليوم شريكة أساسية في العهد الجديد وفي الحكومة العتيدة، فيما اصطف التيار الوطني الحر وتيار المردة في المعارضة ولو أنهما جاهرا بدعم الرئيس جوزاف عون، ما يصّعُب على القوات الإحتفاظ بحجم كتلتها الحالية، لا سيما وأن الحكومة لم تستطع تحقيق إنجازات شعبية حقيقية فيما تعثّرت القوات في وحول وزارة الطاقة، لذا تخشى القوات من أن يؤدي هذا التعثُر الوزاري الى جانب التقارب الإيراني – السعودي في لبنان وأي تسوية في المنطقة تُنهي الحروب ولو جزئياً، أن يؤثر على الدعم المالي والسياسي السعودي لها، فوجدت ضالتها في اقتراع المغتربين لـ128 نائباً لتعويض أي خسارة.
أما قوى “التغيير” فنالت حوالي الـ 13 نائباً عبر ركوب موجة “انتفاضة” 2019 واستغلال الأحداث والأزمات التي انفجرت دفعة واحدة في العهد الماضي.. المصارف والودائع والمحروقات والأدوية والطبابة وانفجار مرفأ بيروت، لكن فشل كتلة “الثورة” في إحداث التغيير المنتظر وغرقها بالخلافات وتضارب المصالح، أدى الى إحباط شعبي كبير من أدائها وسلوكها، فوجدت أن الفرصة الأخيرة لتعويم نفسها شعبياً وسياسياً، الاستفادة من المغتربين والوضع الإغترابي لخصومها.
تُشكِل الغلبة الإنتخابية للقوى “السيادية” و”التغييرية” في بلاد الانتشار، فرصة لاختراق جدار الثنائي الشيعي النيابي الذي بقي محصناً في أشد الظروف صعوبة حتى في انتخاب المغتربين لـ 128 نائباً، لكن بعد الحرب الأخيرة ترى دوائر القرار الخارجي أن الوقت قد حان لإلحاق هزيمة سياسية كاملة بحزب الله بعد هزيمته عسكرياً وفق توصيفها، من خلال استغلال الفائض الاغترابي لصالح خصوم المقاومة.
وفيما تلفت مصادر قواتية إلى أنها والكتل الحليفة مصرّة على خوض معركة تعديل المادة 112 حتى النهاية، ترى مصادر التيار الوطني الحر أن تنفيذ القانون الحالي أفضل من رحلة إقرار قانون جديد أو تعديلات قد لا تؤدي الى نتيجة، لا بل قد تطيح بإنجاز دائرة المغتربين الـ16 ومعها الانتخابات، يشير مصدر بارز في الثنائي الشيعي أن وجود قانون نافذ يحتاج الى مراسيم تطبيقية ليصبح نافذاً، فلماذا لم تُقِرّه الحكومة فيما ترمى المسؤولية على رئيس المجلس النيابي؟ ويضيف الى أن قضية قانون الإنتخاب بالنسبة للثنائي تساوي سلاح المقاومة، لأنه أمر مصيري يتعلق بالوجود السياسي للطائفة الشيعة لحماية المقاومة. ويُحذّر المصدر من مخطط خطير: السيطرة على أكثرية الثلثين في المجلس النيابي وخرق الثنائي بمقعد شيعي أو أكثر لانتزاع رئاسة المجلس من يد الرئيس نبيه بري، مع رئيس حكومة وأكثرية الثلثين مع الفريق الآخر وحينها لا يستطيع رئيس الجمهورية جوزاف عون مواجهة أكثريتين نيابية وحكومية، ويجري تمرير المشروع الأميركي في لبنان والسلام وفق الرؤية الإسرائيلية على طبقٍ من فضة.
لكن يرى مخضرمون، أن قوانين الإنتخاب عادة ما تكون جزءاً من تسوية سياسية داخلية – إقليمية، على غرار ما حصل في اتفاق الدوحة العام 2008، لأن طبيعة القانون وتوزيع الدوائر تعبر عن موازين قوى آنية، لكنها ايضاً ترسم بنتائجها صورة نسبية للأحجام النيابية والسياسية وبالتالي معالم المرحلة السياسية الجديدة.

You might also like