خاص – خلافات عميقة تعصف بفروع “القوات” في الولايات المتحدة… إليكم التفاصيل كاملة!

عندما تتحوّل شؤون فروع حزب إلى عناوين تتصدر المشهد في مدن الاغتراب، فهذا مؤشر سلبي إلى خلل أعمق. ما يحصل اليوم في فروع “القوات اللبنانية” في أميركا ليس صراعاً عابراً على رئاسة فرع، إنه اختبار لمدى جاهزية البنى الحزبية للتعامل مع تضارب الولاءات والسلوكيات الفردية بعد أن تقلصت الروابط المباشرة مع مركز القرار. النتيجة ليست فقط ملفات تأديب أو شكاوى مكتوبة، بل تآكل ثقة قد يمتد أثره إلى صناديق الاقتراع حيث يُتخذ مستقبل الفريق السياسي.
وفيما تشدد معراب على ضرورة فتح أبواب مجلس النواب لحسم صوت الاغتراب وتمثيله ب 128 نائبا لا ستة نواب، تجد في الوقت نفسه حالة ارتباك داخلي نتيجة أخطاء يقوم بها مسؤول في منطقة يجعل من الزخم الحزبي مادة سجالية أو خلافية داخل البيت الواحد.
ففي الولايات المتحدة، ولا سيما في لوس أنجلوس، سلسلة توترات داخلية لم تعد قابلة للاختزال بخلافات شخصية أو نزاعات انتخابية ظرفية، بل باتت تعبّر عن أزمة بنيوية أعمق تطال آليات التنظيم والحوكمة داخل الجسم الاغترابي للحزب. فالمسألة تجاوزت مسألة انتخاب رئيس لفرع ما، أو التشكيك بأهلية مرشح معيّن، لتتحول إلى اختبار جدي لمدى قدرة القيادة المركزية على إدارة الخلافات التي تكبر كرة ثلجها بين المنتسبين خارج لبنان، حيث تتشابك المسافات الجغرافية مع الحساسيات السياسية والمنافسات التنظيمية.
وتشير أوساط اغترابية إلى أن الخلاف انفجر بعد انتخاب بيار سعد رئيساً لفرع لوس أنجلوس خلفاً لكلود صوما، إذ سارع الفريق المقرّب من الأخير إلى الطعن بالعملية الانتخابية، معتبرين أن سعد غير مستوفٍ للشروط الحزبية بسبب إقامته في ريفير سايد، وعدم انتظامه الحزبي والمالي. وقد رُفعت شكوى رسمية بهذا الخصوص إلى الأمين العام المساعد لشؤون الانتشار النائب عماد واكيم، غير أن الأخير امتنع، بحسب المصادر، عن التعامل مع الشكوى أو الردّ عليها، ما فسّر على أنه تجاهلٌ عزّز من منسوب الاحتقان.
تزامناً مع ذلك، تقدمت مجموعة من الحزبيين، بينهم أربعة رؤساء فروع سابقين، بطلب رسمي لإنشاء فرع جديد في بيفرلي هيلز، نظراً إلى وجود جالية لبنانية كبيرة فيها واحتضانها الرعية المارونية الأساسية. ورغم أن واكيم اعتبر الطلب مستوفياً الشروط، إلّا أنه رفض إعطاء الترخيص خشية أن يكون خطوة ناتجة عن الخلاف الداخلي المستعر.
وفي محاولة لاحتواء التوتر، فتح الرئيس السابق لفرع لوس أنجلوس هادي زكريا قناة تواصل مع سعد، مبدياً استعداداً لوضع خبرته الحزبية في خدمة المرحلة الجديدة، غير أن الأجواء سرعان ما انقلبت بعد سجال حول مجموعة واتس اب حملت شعار الصليب المشطوب. وتشير الروايات إلى أن الاتصال الذي أجراه زكريا بهدف تهدئة الأمور انتهى بسيل من الإهانات والشتائم من قبل سعد طالت زكريا وعائلته، ما دفع الأخير إلى رفع شكوى إلى المنسقية الحزبية وإلى واكيم شخصياً.
لكنّ ردّ القيادة الاغترابية جاء مفاجئاً، إذ أقدم واكيم على توجيه إنذار بفصل زكريا من الحزب، قبل أن يُتبعه بقرار بفصله وجمال الهبر مع وقف التنفيذ، لرفضهما إغلاق مجموعة الواتساب. عندها دخلت اللجان القانونية الحزبية على الخط لجنة التفتيش، لجنة التحقيق، والغرفة الثانية في لجنة الشرف بناءً على توجيه من رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع، وبدأت الاستماع إلى الأطراف كافة، وسط معلومات عن إدعاء على كل من بيار سعد ومازن قطّان.
وفيما تمسّك زكريا بعدم الدخول في أي مصالحة قبل صدور نتائج التحقيق، صدر بحقه قرار جديد يقضي بمنعه من ممارسة أي نشاط حزبي لمدة سنتين، إلى جانب قرار بفصل جمال الهبر نهائياً. هكذا، تحوّل الخلاف من تباين داخلي محدود إلى أزمة تتفاعل في أكثر من ولاية أميركية، وسط اتهامات متزايدة لواكيم بالمسؤولية عن تأزم الوضع نتيجة أسلوب “فوقي” في إدارة الشكاوى، وفق ما تصفه المصادر الاغترابية.
ولعل الأخطر أن هذه الصراعات الداخلية بدأت تتقاطع مع مؤشرات أخرى تُظهر تراجعاً مقلقاً في نسب تسجيل المنتشرين للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل. فرغم الحملات المكثّفة التي تقودها الفروع، ورغم ظهور رئيس الحزب عبر المنصات الرقمية لحثّ المغتربين على التسجيل، إلا أن حالة الفتور واللامبالاة تبدو طاغية. ويعزو متابعون هذا التراجع إلى جملة عوامل سياسية ونفسية، بينها الإحباط العام من الطبقة الحزبية والنيابية، الغموض حول الدائرة 16، المخاوف الأمنية، إضافة إلى الصورة السلبية التي تعكسها الصدامات الداخلية داخل “القوات” تحديداً، والتي باتت تُضعف ثقة المنتسبين بقدرة قيادتهم على ضبط الإيقاع التنظيمي أو حلّ نزاعات عمرها سنتان.

ومن الوقائع التي حصلت في الاغتراب وتثبت صحة الخلافات، الخبر الذي  طال كاتدرائية سيدة لبنان في لوس أنجلوس، حين تحدّت إحدى الحزبيات قرار الكنيسة بدافع من شعور “فوقي”، كما تصفه المصادر، ناتج عن غياب آلية الانضباط التنظيمي. وهو مثال إضافي على حالة الانفلات التي تنتج عندما تعجز القيادة الاغترابية عن إدارة قواعدها.
ويبقى السؤال مطروحاً داخل الأوساط الاغترابية: ماذا سيفعل جعجع في ظل هذا الإنقسام الكبير؟

You might also like