«الداخلية» تُحضِّر لانتخابات نيابية دامجة: العبرة بالتنفيذ

 

زينب حمود-

بعد كل استحقاق انتخابي، تعلو صرخة الجمعيات التي تتابع قضايا المعوّقين، ضدّ تهميش هذه الفئة من المجتمع، وعدم توفير الظروف الملائمة التي تمكّنهم من ممارسة حقّهم في التصويت، كسائر المواطنين. فيندفع المسؤولون لعقد اجتماعات شكلية، وإطلاق الوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ.

لكن عند الاطّلاع على تحضيرات وزارة الداخلية والبلديات للانتخابات النيابية، المفترض إجراؤها في أيار 2026، يبدو الوضع مختلفاً. إذ يعمل المعنيّون على توفير ظروف انتخابية تراعي احتياجات المعوّقين قدر الإمكان. ولذلك، عقد أكثر من اجتماع مع الجمعيات المعنيّة وفريق الـ «UNDP»، لتقييم الانتخابات البلدية الفائتة، وتجنّب تكرار الانتهاكات المرتكبة.

يبلغ عدد الناخبين المعوّقين الحائزين على «بطاقة معوّق» اليوم 116 ألفاً، في ارتفاع من 80 ألف ناخب في استحقاق 2022. ولهذا الارتفاع أكثر من سبب، من بين هذه الأسباب ارتفاع أعداد المعوّقين عموماً، نتيجة العدوان الإسرائيلي، ولا سيّما تفجير أجهزة الـ«بيجر» واللّاسلكي. وكذلك، زيادة الطلب على «بطاقة المعوّق»، الناتجة عن المنح المالية التي تقدّمها «يونسيف»، والتي تساوي 40 دولاراً لكل حامل بطاقة شهرياً. يُضاف إلى الـ116 ألف ناخب، آلاف الناخبين المعوّقين ممّن لا يملكون «بطاقة معوّق». وأكثر نقطة يركّز عليها المعنيّون اليوم لاحترام حقوق هذه الفئة السياسية، هي تجهيز مراك

ز الاقتراع بما يسهّل وصول جميع الناخبين إلى صناديق الاقتراع بكرامة ومن دون مساعدة أحد، خصوصاً ذوي الإعاقات الحركية.
وفي هذا الصدد، ترى رئيسة «الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً»، سيلفانا اللقيس، أنّ «إقرار الميغاسنتر يشكّل حلّاً مناسباً إذا ما جرى اختيار أماكن ضخمة ومجهّزة مثل ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية ومعرض رشيد كرامي، وإلّا يكون نقل أقلام اقتراع الناخبين المعوّقين إلى الطوابق السفلية هو الحلّ البديل». ومع استبعاد إقرار الـ«ميغاسنتر»، يأخذ الخيار الآخر حيّزاً أكبر من اهتمام المعنيّين الذين يعملون على جبهتين: تأمين بيانات الناخبين المعوّقين والوصول إلى لائحة بأسماء جميع المدارس المناسبة، لضمّ أقلام المعوّقين إليها.
هل يوجد مراكز دامجة فعلاً؟

بالنسبة إلى البيانات، أظهرت تجربة الانتخابات البلدية الفائتة تحدّيَين اثنين: ضيق الوقت لجمع بيانات كل المناطق، والنقص فيها بسبب عدم الاتفاق على نظام وآلية عمل واضحة بين وزارتَي الداخلية والشؤون الاجتماعية. إذ سلّمت الثانية البيانات المتعلّقة بالاسم الثلاثي ورقم السّجل ومكان القيد، ليتبيّن لاحقاً حاجة الأولى إلى تحديد المذهب واسم الأم.

لذا، بدأت وزارة الداخلية، وفقاً للقيس، «العمل باكراً للانتخابات النيابية المقبلة، واستعرضت، قبل نحو شهر مع وزارة الشؤون الاجتماعية البيانات المطلوبة وآلية نقلها، وكانت وزراة الشؤون متعاونة لإعطاء كل البيانات المطلوبة منها». أمّا مراكز الاقتراع المؤهّلة لاستقبال المعوّقين، فـ«لا تزال وزارة التربية حتى الآن تتحفّظ على اللائحة النهائية لأسماء المدارس الدامجة، وتلك التي تحتوي على طوابق أرضية»، على ما تقول اللقيس.

فهل تتجنّب الوزارة تحويل المدارس التي أعلنت أنها باتت «دامجة» إلى مراكز اقتراع، خوفاً من اكتشاف أنها ليست «دامجة» سوى بالاسم؟ مدير التعليم الابتدائي جورج داوود، يردّ في تصريح إلى «الأخبار»، بأنّ «وزارة الداخلية لم تطلب لائحة بالمدارس المناسبة لتكون مراكز اقتراع للمعوّقين»، مؤكّداً أنها إذا طلبت «نعطيها كل البيانات، لكن عدد المدارس التي هي ملك للدولة وأنجزنا فيها أعمال الصيانة لتصبح دامجة من مصاعد ومنحدرات يبقى قليلاً جدّاً». يعني ذلك أنّ أي مساعٍ لتمكين الناخبين المعوّقين من الاقتراع ستفشل في غياب مراكز اقتراع دامجة، ولا سيّما أنّ المدارس الرسمية تشكّل النسبة الأكبر من مراكز الاقتراع.

إضافة إلى ذلك، قامت وزارة الداخلية بإحياء المرسوم 2214، الصادر في العام 2009، حول الإجراءات والتدابير المتعلّقة بتسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات النيابية والبلدية، وأرسلت كتاباً إلى وزارات الأشغال والتربية والشؤون الاجتماعية ومجلس الإنماء والإعمار والجمعيات المعنيّة، لتشكّل لجنة لتطبيق المرسوم. مع العلم أنّ هذا المرسوم يتعلّق بتجهيز المباني ومواقف السيارات والمراحيض والمصاعد والمنحدرات وتدريب الفرق العاملة في الانتخابات، وسبق أن طُبّق مرّتين في عهد وزيرَي الداخلية زياد بارود ومروان شربل، لتكون هذه المرة الثالثة التي يُفعِّل فيها.

وتبنّت «الداخلية» أيضاً تقرير «الحملة الوطنية لتنفيذ الحقوق السياسية للأشخاص المعوّقين في لبنان» (حقّي) حول «المشاركة السياسية للأشخاص المعوّقين في الانتخابات البلدية والاختيارية لعام 2025»، وتوقّفت عند الأخطاء التي ارتكبها رؤساء الأقلام والمساعدون في التعامل والتواصل مع الناخبين المعوّقين، من إساءة وتنمّر وغيرهما، لتصدر قراراً بتدريب القائمين على العملية الانتخابية. يُشار، في هذا السياق، إلى أنّ حملة «حقي» قامت بتدريب الفرق المعنيّة قبل الانتخابات البلدية، لكنّ ذلك لم ينعكس على سير العملية الانتخابية. وهو ما يعود إلى «ضيق الوقت، فالتدريبات حصلت بشكل سريع وامتدّت إلى ثلاث جلسات فقط، ونفّذت ضمن نطاق ضيّق».

«الداخلية» أخذت في عين الاعتبار أيضاً أنّ هناك ناخبين معوّقين غير مسجّلين في وزارة الشؤون الاجتماعية، لن يستفيدوا نتيجة لذلك من نقل أقلام المعوّقين إلى المراكز الدامجة، لأنّ بياناتهم مجهولة. ولتأمين أعلى مستوى ممكن من الدمج في العملية الانتخابية، اقترحت الوزارة «إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة عدد بطاقات الإعاقة، وتشجيع الأشخاص المعوّقين على الحصول عليها، تمهيداً لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات، اقتراعاً وترشّحاً».

كل ذلك يُبشِّر بالخير، لكن تبقى العبرة في التنفيذ، وحتى موعد الانتخابات، «نحن نترقّب، ولن نرتاح، وسنبقى العين الساهرة»، تختم اللقيس.
لماذا يترشّح المعوّق؟

تلفت رئيسة «الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً»، سيلفانا اللقيس، إلى وجود «أكثر من رأي حول أهمية وجود الأشخاص المعوّقين داخل المجالس النيابية والبلدية والاختيارية، ويشبه ذلك اختلاف الآراء من الكوتا النسائية». وتوضح أنّ «هناك من يجدها مهمة في البداية لكسر الصورة النمطية حول المرأة التي لا تقدر على إدارة الشأن العام، وبين من يجد إعطاء نسبة معيّنة من المقاعد للنساء هو إهانة للمرأة لأنها ليست بحاجة إلى هذه الطرق لتصل، بينما تملك القدرات والمؤهّلات للوصول». لكن، المنطلق الأساسي يبقى «الحفاظ على حق المعوّق في الترشّح والاقتراع والمشاركة في صنع القرار مثله مثل أي مواطن لبناني».
وعليه، لاحظت «الأخبار» حركة نشطة لدى الجمعيات المعنيّة لدعم ترشّح المعوّقين، وليكون هناك مرشح واحد على الأقل في كل منطقة. كما تدار جلسات توعية حول أهمية الترشّح، انطلاقاً من مشاركة المعوّقين في الانتخابات البلدية والاختيارية الفائتة، والتي أجمع المراقبون أنها شهدت زيادة لافتة في عدد المرشحين والفائزين.

You might also like