رلى إبراهيم –
تبدأ وزارة الداخلية منذ اليوم وحتى 20 تشرين الثاني المقبل، تسجيل الناخبين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية، الراغبين بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، ليَسقُط بعدها، وفقاً لأحكام القانون المعمول به، حق الاقتراع في الخارج لغير المسجّلين.
فرغم الاشتباك السياسي القائم حول المادة 122 من قانون الانتخاب (إضافة ستة مقاعد نيابية للمغتربين)، بين من يريد إلغاءها ومن يريد تطبيقها، ستبدأ الحكومة تطبيق القانون الساري المفعول وفقاً للمهل التي ينص عليها، إلى حين ولادة تسوية سياسية ترضي جميع القوى السياسية.
وحتى نضوج تلك التسوية، تتصارع هذه القوى داخل المجلس النيابي عبر السلاح الأشدّ تأثيراً، وهو التعطيل، الذي لطالما استخدمته مختلف الأحزاب في توجيه الرسائل والضغط على خصومها.
ففي إطار الاشتباك الحاصل، تنعقد اليوم أيضاً جلسة للجان الفرعية برئاسة نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، لمتابعة النقاش في قوانين الانتخابات المُقترحة.
وسيشارك فيها وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار لإطلاع النواب على جهوزية وزارته والمشكلات التي تعترضها أيضاً؛ من البطاقة الممغنطة إلى الـ«ميغاسنتر» والمراسيم التطبيقية لمقاعد المغتربين. وتقاطع «القوات اللبنانية» هذه الجلسة للمرة الأولى، اعتراضاً على عدم إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرّر الذي يلغي المقاعد النيابية الستة في الخارج، على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأخيرة.
وهو موقف أعلنه النائب جورج عدوان قبيل انسحاب نواب حزبه من الجلسة الإثنين الماضي، قبل أن ينضم إليهم نواب حزب الكتائب ومستقلون، ما أدّى إلى إفقاد الجلسة نصابها.
وتابعت تلك القوى ضغطها على رئيس المجلس نبيه بري في اليوم التالي بعدم حضورها إلى البرلمان منذ البداية، فحالت دون توفّر النصاب لاستكمال التشريع.
هكذا، رفعت «القوات» وحلفاؤها سقف المواجهة السياسية مع بري عبر تعطيل عمل البرلمان حتى إشعار آخر. وحتى يكون الربح مزدوجاً، تعمّد هذا الفريق قبيل الانسحاب من جلسة الإثنين تأمين النصاب حتى الانتهاء من البنود الثمانية الأولى، والتي تتضمّن تعديل اقتراح القانون المتعلّق بتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفتح اعتماد إضافي لتغطية رواتب المتقاعدين والموافقة على اتفاقيات دولية.
ومن ثمّ قامت بتطيير النصاب، عبر بدء انسحاب النواب القواتيين خلال مناقشة البند التاسع الذي يتعلق بإبرام اتفاقية قرض بقيمة 250 مليون دولار من «البنك الدولي»، لتنفيذ مشروع المساعدة الطارئة للبنان، أي دعم ترميم وإعادة إعمار البنية التحتية الأساسية المتضررة من العدوان الإسرائيلي.
وتلك رسالة سياسية واضحة فهمها حزب الله، كما بري، ولا يتردّد الفريق الخصم من تردادها علانية، عبر رفضه أي إعمار في ظلّ السلاح، وضمنياً رغبته بإبقاء الوضع على ما هو عليه جنوباً لناحية استمرار الاحتلال الإسرائيلي والحؤول دون إعادة إعمار القرى المُهدّمة.
ولذلك، قرّر بري الرّد بعدم ختم محضر الجلسة، بما لا يسمح باعتبار البنود التي أُقرّت نافذة، إلى حين – وفقاً له – عقد جلسة أخرى وختم المحضر. فبري يرى مع حليفه حزب الله، في ما يجري، حملة لتحجيم دور فريقهما السياسي.
وحادثة صخرة الروشة، بالنسبة إليهما، ليست يتيمة، وإنما جزء من خطة ممنهجة هدفها إكثار الضربات على هذا الفريق حتى يصل إلى الانتخابات النيابية ضعيفاً ومُنهكاً وغير قادر على رفع معنويات قاعدته.
من هنا، يستميت الفريق الممسك بزمام السلطة في عدم تطبيق القانون الانتخابي كما هو، لاستعادة مشهد عام 2022 (تصويت المغتربين للمقاعد الـ128)، وتأمين فوز كاسح له، بالاستناد إلى أصوات مؤيّديه في الخارج، الذي يقول الحزب والحركة، إنهما لا يتمتّعان بحرية العمل الانتخابي فيه، ما يؤثّر في قدرتهما على حشد ناخبيهما.
ويهدف الفريق الحاكم في المحصّلة إلى إدارة تحالفاته الانتخابية، بما يفتح له الباب أمام الخرق بمقعد شيعي واحد على الأقل، حتى يعلن «كسر احتكار الثنائي الشيعي للطائفة الشيعية».
وقد عبّر رئيس القوات سمير جعجع عن ذلك صراحة في حوار تلفزيوني عندما قال مباشرة على الهواء إن أحد أسباب الإصرار على تعديل القانون هو محاصرة حزب الله وحركة أمل ومحاولة تحقيق خرق في بيئتهما. فبالنسبة إليه، «محور الممانعة ما رح يطلعله كتير من الاغتراب».
وفيما يجري كل ذلك تحت ذريعة «حقوق المغتربين»، يبدو أن المشكلة التشريعية لن تنتهي سوى بحلّ من اثنين: إمّا أن يتطور النزاع إلى مواجهة سياسية مدعومة من الخارج لتغليب كفّة فريق على آخر، بما يحول دون إجراء الانتخابات في موعدها، وإمّا أن تتوافق الأحزاب الرئيسية على تسوية تقضي بإلغاء المقاعد الستة في الخارج، إضافةً إلى الاقتراع في السفارات والقنصليات، بما يوجب على المغترب الراغب في الاقتراع القدوم إلى لبنان للإدلاء بصوته في دائرته الانتخابية.
وينقل كلّ من التقى رئيس الجمهورية جوزيف عون في الأيام القليلة الماضية إصراره على إجراء الانتخابات في موعدها، مرجّحين أن يرسو الحل على التعديل الثاني، في استعادة للاستحقاق الانتخابي في عام 2018.