البيضة قبل أم الدجاجة (حبيب البستاني)

طغت ذكرى اليوبيل الذهبي للحرب الأهلية اللبنانية علىى ما عداها، هذه الحرب التي اندلعت في 13 نيسان من العام 1975، وبدلاً من ترداد شعنينة مباركة وهوسانا في العلى كان الناس يرددون كما رعاتهم “تنذكر وما تنعاد”. ولم ينحصر إحياء الذكرى وما رافقها من إحياء لمفردات تدلل على عدم العودة والابتعاد عن العنف، لم ينحصر ذلك على لبنان وحده، بل إن أصداء اليوبيل وصلت إلى حاضرة الفاتيكان وكانت من ضمن الكلمات القليلة التي تناولها قداسة البابا من على الشرفة البابوية المطلة علىى ساحة القديس بطرس، بالتاكيد كل ذلك جميل حتى ولو كان لبنان حاضراً بمناسبة ماساة الحرب، فلبنان ليس مجرد وطن إنما هو رسالة كما كان يردد قداسة الحبر الأعظم، ولبنان وبحسب ما قاله هو أكثر من رسالة إذ إنه هو “وطن الرسالة”. وهذا لعمري يتخذ أهمية أكثر من من أرض الميعاد، وإذا كانت أرض الميعاد “la terre promise” تشكل مفهوماً تلمودياً للشعب اليهودي فإن لبنان وطن الرسالة يشكل رسالة حضارية للعالم أجمع بمختلف شعوبه ودياناته وحضاراته. هذا هو اللبنان الذي يتكلم عنه الحبر الأعظم والذي ينبغي علينا جميعاً الحفاظ عليه، فاللبنانيون كل اللبنانيين مؤتمنون على هذه الرسالة ولا سيما على وطن الرسالة. ومع ترداد كلمات “تنذكر وما تنعاد” ينبغي علينا الغوص في الأساب التي ادت لاندلاع الحرب، وإذا كنا نريد حقاً – ونحن نريد – ألا تنعاد ينبغي علينا إزالة الأسباب، وهنالك قاعدة تقول أنه إذا كررنا نفس الأسباب فإننا سنحصد نفس النتائج ومن يزرع الريح يحصد العاصفة. وهنا لا بد من العودة إلى العام 1975 لكي نتفهم الدور الذي لعبه الفلسطينيون في تأجيج هذه الحرب، واليوم وبعد خمسين سنة على ذلك فإننا بتنا نمتلك الجرأة لكي نسمي الأشياء باسمائها، وبات قول الحقيقة ليس حكراً على بعض أجهزة المخابرات التي وللأسف الشديد كانت تعلم في حينه ما جرى وما سيجري. وكي لا نعيد على مسامع اللبنانيين ما يعرفونه فإن المطلوب اليوم وقبل الغد إزالة السلاح الفلسطيني الذي انتفت الغاية منه لا سيما خارج وداخل المخيمات، لقد كان ممنوعاً على الدولة وأجهزتها الدخول إلى المخيمات وملاحقة المجرمين والمخلين بالأمن الذين وجدوا في المخيمات الحصن والملاذ. هكذا وهكذا فقط نكون قد طوينا صفحة الماضي صفحة حرب 1975 ونكون قد أزلنا لغماً كبيراً من طريق بسط سلطة الدولة.
شح المياه والبكاء على الأطلال
لقد كان مهيناً لعقول اللبنانيين رؤية بعض الذين عرقلوا مشاريع السدود وقاموا بكل ما أوتوا به من تحركات ومظاهرات لمنع إنشاء سد بسري واستكمال سد المسيلحة، هذه السدود التي كانت ستؤمن عشرات ملايين الأمتار المكعبة من المياه النظيف الصالحة للشرب للعاصمة بيروت وللساحل الشوفي ومناطق جبيل وكسروان والمتن. هنالك مثل يقول اللي استحوا ماتوا، وبعض السادة النواب يذرفون دموع التماسيح على شح المياه وهم كمن يقتل القتيل ويسير بجنازته فبالله عليكم كفى بكاء واتلوا فعل الندامة، هكذا ربما تحصلون على مغفرة اللبنانيين وتستعيدون بعضاً من كرامتكم، فالشمس شارقة وللناس بصر وبصيرة.
من وحي الفصح
يشكل تفقيس البيض بمناسبة عيد الفصح تقليداً يتوارثه المسيحيون جيلاً بعد جيل، ويرمز تلوينه باللون الأحمر إلى الدماء التي سالت من السيد المسيح على درب الجلجلة، واللبنانيون يسيرون كل يوم طريق الجلجلة وتسيل الدماء منهم وفيما هم على هذه الحالة يتساءل بعض المسؤولين ما هو قبل الدجاجة أم البيضة. ففيما العالم كل العالم ينتظر تطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته وضرورة العمل على حصرية السلاح بيد الدولة، تبقى الدولة تتساءل عن جدوى الحوار بين اللبنانيين وذلك بغية العمل على وضع الاستراتيجية الدفاعية موضع التنفيذ. لقد بات ملحاً ليس فقط تنفيذ الاستراتيجية الدفاعية التي يجب ان تقر ويبدا العمل بها، وليكن واضحاً أن الاستراتيجية الدفاعية لاتتضمن فقط حصرية السلاح إنما أن تتولى الدولة مسؤولية الدفاع عن المواطنين فعلاً لا قولاً. وفيما التخبط جار بموضوع الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس وحل مشكلة الثلاثة عشرة نقطة العالقة، يكرر العدو رفضه للانسحاب إلا بمحادثات مباشرة تتولاها ثلاثة لجان من كل جانب تضم إلى جانب العسكريين مدنييين ودبلوماسيين، فيما الدولة اللبنانية تطالب العدو بالانسحاب قبل المحادثات وهكذا فالبلد عالق بين منطق من قبل “الدجاجة أم البيضة”. فلما لا نأتي بالدجاجة والبيضة في آن معاً ويصار إلى التزامن في وضع الحلول وذلك وفق روزنامة زمنية، فتوضع روزنامة لحصرية السلاح وأخرى للانسحاب. ربما قد ياتي الحل من حيث لا ندري فتعطي المحادثات الإيرانية الأميركية ثمارها ويأخذ لبنان نصيبه من الحل بدلاً من ان يتلقى دائما ويلات الحرب.

You might also like