الأخبار: تتزامن الضغوط الأميركية والإسرائيلية على المؤسّسات الرسمية اللبنانية لسحب سلاح حزب الله وإطلاق مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، مع تشديد الحصار المالي على المقاومة عبر الخزانة الأميركية.
زيارة وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون هيرلي، إلى بيروت ضمن جولةٍ إقليمية، تندرج في هذا الإطار.
وهو صرّح لوكالة «رويترز» قبل وصوله بأنّ «هناك فرصة سانحة في لبنان لقطع التمويل الإيراني عن حزب الله والضغط عليه لإلقاء سلاحه»، مكرّراً مزاعم بأنّ إيران «حوّلت نحو مليار دولار إلى حزب الله هذا العام رغم العقوبات الغربية التي أضرّت باقتصادها». وأضاف هيرلي الذي تشمل جولته تركيا ولبنان والإمارات وإسرائيل لتشديد الضغوط على إيران، أنّ «المفتاح يكمن في إزاحة النفوذ الإيراني بدءاً بالأموال التي يضخّونها لحزب الله».
ووصل هيرلي مساء أمس إلى بيروت برفقة وفد يضمّ مسؤولين في البيت الأبيض، واستهلّ جولته بزيارة بعبدا للقاء رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي أكّد أنّ «لبنان يطبّق كل الإجراءات الصارمة لمنع تبييض الأموال». وجدّد التأكيد على أن خيار التفاوض الذي أعلن عنه مراراً «ينطلق من أن الحرب لم تؤدّ إلى أي نتيجة، غير أن التفاوض يحتاج إلى مناخات ملائمة، أبرزها وقف الأعمال العدائية وتحقيق الاستقرار في الجنوب».
إلى ذلك، أكّدت مصادر مصرية لـ«الأخبار» أن مدير المخابرات المصرية، حسن رشاد، قد يعود إلى بيروت قريباً لعقد مزيد من المشاورات والاتصالات لدعم مسار «عدم التصعيد». وأوضحت المصادر أن مصر منخرطة في اتصالات مباشرة مع فرنسا والولايات المتحدة حول الوضع في لبنان، وأن تحرّكات الأيام الماضية أسفرت عن عدد من الملاحظات والاقتراحات المرتبطة بالمبادرة المصرية وإمكان إدخال تعديلات عليها.
ولفتت المصادر إلى أن هذه المُقترحات تُبحث على نطاق واسع، وتندرج ضمن سلسلة نقاشات حول حزب الله وسلاحه وآلية التعامل معه بطريقة تضمن تفادي حدوث أزمة داخلية على المستوى السياسي أو إشعال توترات مع تل أبيب على الحدود. وفي هذا السياق، سيكون لرئيس الجمهورية دور مهم في التحرّك والاستجابة لطلبات إجراء عمليات تدقيق مالي على التحويلات التي تدخل البلاد بشكل رسمي.
وبحسب المصادر، يتركّز جزء من الاهتمام الأميركي – الفرنسي الحالي على وقف تمويل الحزب وتكثيف الضغوط المالية عليه، بالتوازي مع مواصلة سياسة إحكام الرقابة على الحدود التي يتولاها الجيش اللبناني. وأشارت إلى أن وقف تدفّق الأسلحة من سوريا وتنظيم الرقابة على رحلات الطيران قد يقلّصان من قدرة الحزب على الصمود عسكرياً.
بدأت قوات «اليونيفل» بتطبيق قرار مجلس الأمن القاضي بإنهاء مهمة حفظ السلام
ومع تأكيدات القاهرة بأن هذا الأمر ليس الخيار الأنسب للتعامل مع الحزب في المرحلة الراهنة، طالبت مصر الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقف العمليات التي تستهدف مسؤولي الحزب داخل المدن اللبنانية، معتبرةً إياها انتهاكاً لسيادة لبنان، ومحذّرةً من أن استمرار هذه الانتهاكات قد يزيد من الاحتقان ويدفع نحو تصعيد عسكري يعيد شبح الحرب.
وتقوم التحركات المصرية الآن على بلورة رؤية واضحة تؤدّي إلى مسار مقبول داخلياً ويحظى بدعم المجتمع الدولي، مع تشديد القاهرة على أن الضغوط يجب أن تُمارس أيضاً على إسرائيل للانسحاب الكامل وسحب الأسلحة الثقيلة من الشريط الحدودي، وتولّي المجتمع الدولي تزويد الجيش اللبناني بأسلحة تمكّنه من حماية حدوده.
ووفقاً للمصادر، تعتبر القاهرة أن الحديث عن أي مهلة زمنية لنزع سلاح حزب الله أمر غير منطقي، إذ إن الاتفاق الأساسي لوقف إطلاق النار لم يُنفّذ بعد، في حين يلتزم الحزب بعدم مهاجمة إسرائيل لتجنّب تحميله مسؤولية إشعال الحرب مجدّداً. وتشير المصادر إلى أن الحزب يُظهِر تفهّماً للمواقف السياسية، ولا يجد في المقابل أي ردّ على الانتهاكات العسكرية الإسرائيلية، وهو وضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو من دون محاسبة أو اتخاذ مواقف واضحة تجاه تل أبيب.
وتتزامن هذه الضغوط مع أخرى عسكرية وأمنية ينفّذها العدو الإسرائيلي في الجنوب، تحت سقف قرار المجلس الوزاري الأمني المُصغّر القاضي بـ«تكثيف الهجمات على لبنان وتعزيز بنك الأهداف». وقد تجلّى ذلك في زيادة وتيرة الاستهدافات خلال الأسبوعين الأخيرين، إلى جانب التهديدات اليومية التي تتحدّث عن نية إسرائيلية للتصعيد على الجبهة اللبنانية.
بدائل لـ«اليونيفل»
في غضون ذلك، بدأت قوات «اليونيفل» فعلياً بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بإنهاء مهمة حفظ السلام في جنوب لبنان، المستمرة منذ عام 1978. ورغم أن الخطة تقضي بانسحاب تدريجي بدءاً من مطلع العام الجاري، إلا أن بعض الوحدات بدأت فعلاً بتقليص عديدها، وفق آلية تُعتمد عند كل عملية تبديل دوري. وعلمت «الأخبار» أن أولى الوحدات التي شرعت في خفض عناصرها هي قوة الاحتياط التابعة لقائد «اليونيفل» المعروفة بـ FCR، والتي تقودها عادة فرنسا، وتتشكّل نواتها الرئيسية من عناصر فرنسيين وبولنديين وفنلنديين، وتتمركز هذه القوة في مقر الوحدة الفرنسية في الطيري (قضاء بنت جبيل).
ويتزامن خفض عديد قوات «اليونيفل» جنوب نهر الليطاني مع تصاعد حملات التهويل والتهديد الإسرائيلية – الأميركية بتكثيف العدوان المستمر على لبنان. غير أن مصادر مواكبة أكّدت أنّ النقاش الدولي حول البديل لقوات حفظ السلام لم يُحسم بعد، في ظلّ مخاوف من أن الخصوصية اللبنانية، ولا سيما الجنوبية، قد لا تتقبّل انتشار قوات متعدّدة الجنسيات. لذلك، يُرجّح أن يُصار إلى دعم الجيش اللبناني بمؤازرة من قوة المراقبين الدوليين التابعة للأمم المتحدة، أو تشكيل بعثة جديدة تُكلّف بمهمة مشابهة تحت راية الأمم المتحدة.


