علي حيدر –
لا يمرّ يوم واحد إلا وتُغرقنا الشاشات والمقالات بسيلٍ من التهويلات الموجَّهة ضد المقاومة: تارةً باجتياح إسرائيلي يلوح في الأفق، وطوراً بانهيار داخلي أو عزلة خانقة، وأحياناً بتقسيم أو وصاية دولية. حرب نفسية متواصلة، مدروسة ومقصودة، غايتها الواضحة أن تهزّ ثقة الناس بالمقاومة، وأن تُقنعهم بأن السلاح هو سبب البلاء، لا خط الدفاع الأخير.
لكن الحقيقة أبسط وأعمق: هذه السيناريوهات نفسها، بما تحمله من تهديدات ومخاطر فعلية، هي الدليل الأقوى على ضرورة بقاء السلاح. فإذا كان العدو يَعِدُ كل يوم بويلات ومصائب، فهذا يعني أنّ الخطر قائم وثابت، ويمكن أن يتحقق على أرض الواقع، بصرف النظر عن المقاومة. والسؤال المنطقي يصبح: إذا كان المصير مهدَّداً على أي حال، فهل نواجهه عُزّلاً مكتوفي الأيدي، أم مسلَّحين بعناصر قوة تحمي الأرض والناس؟
مَن يقرأ التجربة اللبنانية بتجرّد، لا يحتاج إلى تنظير طويل. فتجربة المقاومة بعد عام 1982، ومراحل التحرير، وصولاً إلى عام 2000، وكسر العدوان في 2006، ومعادلة الردع عن العدوان التي تلته، وتكريس معادلة الردع عن الاجتياح الواسع بعد حرب 2024، وبروز المقاومة كقوة دفاع في مواجهة خطر الاحتلال… أيّها أصدق وأبقى أثراً: خطابات التخويف اليومية أم وقائع التاريخ التي يعرفها كل بيت في الجنوب والبقاع وبيروت؟
إنّ تصوير السلاح كعبء هو محاولة لطمس الحقيقة. فكل دولة طبيعية تبني أمنها على عناصر قوة، فكيف بلبنان الذي يقف على خط تماس مع عدو أكد رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، قبل أيام، تمسّكه بمشروع إسرائيل الكبرى مع ما يحمله من مخاطر وجودية على لبنان وجنوبه.
منطق الواقع والتاريخ يقول: كلما تعاظمت التهديدات، تعاظمت الحاجة إلى المقاومة، لا العكس. وكل تهويل يومي ليس إلا اعترافاً مقنّعاً بأن هذا السلاح هو العائق الحقيقي أمام مشاريع الإخضاع.
لذلك، فإن الجدل الدائر ليس نقاشاً في بندقية أو صاروخ، بل سؤال وجودي: هل نريد لبنان بلداً حراً قادراً على الدفاع عن نفسه، أم ساحة فارغة تنتظر مصيرها؟ هنا يصبح الاستدلال صريحاً: بقاء المقاومة وتطوير قدراتها ليس عبئاً على الوطن، بل شرط حياته، انطلاقاً من مسلّمة: أن بقاءه مرهون بقدرة أبنائه على الدفاع عن وجوده. والخوف الأكبر فعلياً، هو من أن يستيقظ اللبنانيون يوماً بلا مقاومة، فيجدوا أن كل ما حُذِّروا منه قد وقع، لكن من دون أن تكون لديهم القدرة على ردّه.