الأخبار –
لم يعد أحد في العالم يحتاج إلى دليل إضافي للتثبت من أن العدو لم يعد يكترث لأي نوع من قواعد الاشتباك، وهو يعلن صراحة أنه مستعدّ للقيام بكل الأعمال الإرهابية لتحقيق هدفه. وبعد مجزرتي الثلاثاء والأربعاء الماضيين اللتين استهدفتا نحو خمسة آلاف لبناني بين مقاومين ومدنيين، جاءت غارة أمس التي دمّرت عشرات الوحدات السكنية المدنية، لاغتيال القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل (عبد القادر) ومجموعة من رفاقه في قوة الرضوان. وما فعله العدو أمس، كان كمن يسدل الستارة على أي فصل سياسي يتعلق بالحرب الدائرة في المنطقة، ويفتح الباب أمام مستوى جديد من المواجهة التي ستفرض على المقاومة اعتماد أساليب جديدة.تقدّم العدو خطوة كبيرة في خطته للمواجهة الشاملة مع لبنان، فخلال ترؤس القائد عبد القادر اجتماعاً ضم مجموعة من معاونيه في قوة الرضوان، نفّذت طائرات أميركية من طراز «إف – 35» غارة على دفعتين، فأطلقت صواريخ دمّرت مبنى مؤلّفاً من 8 طبقات، قبل أن تطلق دفعة ثانية من الصواريخ الثقيلة والخارقة للطبقات، مستهدفة طوابقَ سفلية حيث كان الاجتماع، ما تسبّب بدمار إضافي أصاب المبنى الملاصق وأبنية مجاورة، وتسبّب بسقوط أكثر من 18 شهيداً وإصابة أكثر من 67 آخرين، فيما بقيت فرق الإنقاذ تعمل طوال الليل للبحث عن مفقودين من المدنيين.
ولم تتردّد قيادة العدو باعتبار العدوان خطوة في سياق توسيع المواجهة مع لبنان، ضمن برنامج يهدف إلى إجبار حزب الله على وقف جبهة الإسناد لغزة، وفرض ترتيبات أمنية لتأمين عودة مستدامة لعشرات الآلاف من مستوطنيه الذين فرّوا من شمال فلسطين المحتلة منذ قرابة عام. وحاول العدو، كما في كل مرة، أن يبرّر جريمته بالحديث عن دور الشهيد عقيل ورفاقه في العمليات التي تستهدف قواته منذ الثامن من تشرين الأول من عام 2023. لكنّ أحداً لن يقف عند هذه التبريرات، إذ إن عقيل كان معروفاً منذ 42 عاماً بأنه واحد من أبرز كوادر المقاومة الذين قادوا العمليات النوعية ضد قوات الاحتلال عندما كانت لا تزال في بيروت بعد اجتياح عام 1982، وممن قادوا أكبر عملية مطاردة لقوات الاحتلال حتى طرده من لبنان عام 2000، وفي مقدّم القيادات الميدانية التي أفشلت عدوان 2006، وتولّى بناء واحدة من أهم وحدات القتال في المنطقة، لعبت دوراً مركزياً في تأهيل طاقات كبيرة من الفصائل التي تقدّمت ونمت وانتصرت في فلسطين والعراق وسوريا واليمن، عدا أنها لا تزال تمثّل كابوساً دائماً للعدو الذي لا يخفي خشيته من قدرتها على اجتياح المناطق المحتلة في شمال فلسطين. وقد عمل العدو خلال العام المنصرم على تنفيذ عمليات استهداف لعدد كبير من كوادر هذه القوة، ونجح في الوصول إلى مقاتلين وكوادر، كما فشل في عمليات كثيرة.
وإذا كان العدو يقول علناً إنه يريد من المقاومة أن تجاريه في التصعيد وأن تدخل في حرب شاملة وواسعة، فإن ذلك يعكس المناخ الذي يسيطر على عقل القيادة السياسية والعسكرية والأمنية في كيان الاحتلال، وهو المناخ الذي يجد في الحرب مع لبنان خطوة تقيه شر الحساب جرّاء ما يقوم به في غزة من حرب إبادة لم تنجح في تحقيق هدفيها المركزييْن، سواء في سحق المقاومة أو استعادة الأسرى. ومع أن حزب الله ردّ على عملية «النداء القاتل»، على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، بأن هدفي فك جبهة لبنان عن جبهة غزة وإعادة المستوطنين، لن يتحققا من خلال هذا النوع من العمليات، فمن غير المنطقي أن ينتظر العدو من المقاومة أن تغيّر رأيها بعد عملية أمس، علماً أن العدو يظهر استعداداً للمضي في عملياته الإرهابية، والتوجه اإى خطوات قد يكون من بينها شن حرب برية ضد لبنان، ما يفتح الباب أمام واقع ميداني مختلف جذرياً عما كانت عليه الأمور منذ 349 يوماً. وبالتالي، فإن ما هو مُقدّر للمواجهة لا يقلّ عن معركة قاسية تتكوّن فصولها من مفاجآت يعدّ لها كل طرف، مع الإشارة إلى أن المقاومة، بعد كل ما تعرّضت له حتى الآن، بقيت تعمل ضمن القواعد التي فرضتها على العدو طيلة 11 شهراً، والتي يبدو أنه لم يعد يريد الالتزام بها، ما يجعل المقاومة في حلّ منها.
وإذا كانت إسرائيل أظهرت بعض قدراتها وعملياتها النوعية من خلال الاغتيالات ومجزرتي الأجهزة، ثم غارة يوم أمس، فإن المقاومة لم تخرج بعد أياً من قدراتها النوعية التي يسعى العدو طوال الوقت للوصول إليها من خلال الاغتيال أو القصف العنيف، وهي عمليات يُتوقع أن يوسّعها في الأيام والأسابيع المقبلة.
لقد قرّر العدو إظهار جانب من تصوّره للحرب. وفي ظل التواطؤ الأميركي، والمشاركة العملانية في عمليات الاغتيال، من المُرجّح ان يواصل عدوانه، والقيام بمزيد من العمليات الغادرة، سواء التي تستهدف قيادات بارزة في حزب الله، أو تنفيذ عمليات أمنية لضرب قدرات المقاومة، وسط مؤشرات إلى أن حكومة الكيان ترغب في هذا النوع من العمليات التي تمثّل استعراضاً ضخماً للعضلات الأمنية من جهة، وللقوة النارية من جهة ثانية، وهو قد يكون في طور الاستعداد لنوع مختلف من الحرب مع لبنان. لكن، بمعزل عما سيقدم عليه العدو، فإن مسار الحرب والمواجهة يبقى رهن ما ستقرره المقاومة من الآن فصاعداً.