حبيب البستاني*
وكما كان مخطط لها تمت الزيارة التاريخية للبابا لاوون الرابع عشر، وذلك بعد محاولات عديدة من البعض ” أولاد السبعة أنفسهم ” وذلك بغية إلغاء هذه الزيارة أو تأجيلها في أحسن الأحوال، تماماً كما فعلوا مع قائد الجيش إبان زيارته إلى واشنطن، فبعد أن استطاعوا من تفخيخ زيارة قائد الجيش إلى الولايات المتحدة خُيل لهم أن باستطاعتهم تفخيخ زيارة الحبر الأعظم، ولكن حساب الحقل لم ينطبق مع حساب البيدر، فغاب عن بالهم أن للبابا أجندة لا مكان للصغار في التأثير عليها. فهذا البعض ويا للأسف لم يزل يُمني النفس بقيام إسرائيل بعملية عسكرية كبيرة تحرق الأخضر واليابس وتمتد إلى ما بعد بعد الليطاني، وبالتالي فإن وجود الحبر الأعظم في وطن الأرز سيعطل أي تحرك عسكري كبير ويحول دون قيام الدولة العبرية بعمليتها الموعودة. فإذا كان صحيحاً أن قداسته لا يمتلك جيشاً جراراً وأن الفاتيكان أصغر من أن يقوم بالتأثير على الدول الكبرى وبصورة خاصة إسرائيل، ولكنهم لا يقدرون مقدار قوة بابا روما الذي يشكل المرجع الروحي لأكثر من 1.3 مليار كاثوليكي من حول العالم، وهؤلاء يشكلون قوة ضغط يحسب لها ألف حساب حتى في الميزان الاستراتيجي.
زيارة للتاريخ
في زيارته الأولى كان للحبر الأعظم محطة مهمة في تركيا حيث قام بزيارة مدينة إزنيك التركية المعروفة بإسم نيقية قديماً، حيث كان لهذه المدينة شرف استضافة أول مجمع مسكوني المعروف بمجمع نيقية، الذي عقد بدعوة من الأمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول والذي حضره كل أساقفة الأمبراطورية البيزنطية ومعظم مطارنة الشرق، وقد أراد البابا لاوون الرابع عشر إحياء ذكرى مرور 1700 عام على هذا المجمع المسكوني الأول، والذي نتج عنه قانون الإيمان أي ما يعرف عند المسيحيين ب “النؤمن” وهو يشكل شرط الانتساب إلى الدين المسيحي، فكما يشكل النشيد الوطني ممراً إلزامياً للمواطنة هكذا يشكل قانون الإيمان ممراً إلزامياً للعبور إلى المسيحية، أن تكون مسيحياً يعني أن تكون عارفاً لقانون الإيمان. وقد حمل الحبر الأعظم إلى تركيا رسالة وحدة وقد كان لافتاً القداس الذي حضره في كاتدرائية القديس جاورجيوس في اسطنبول برئاسة البطريرك الأرثوذكسي المتقدم برتلماوس الأول الذي يتبعه أكثر من 300 مليون أرثوذكسي. ولقد جاءت زيارة لاوون تكملة لزيارة بولس السادس التي حصلت منذ خمسين عاماً إلى القدس، والذي اراد من خلالها وحدة المسيحيين وذلك بعد اجتماعه مع البطريرك الأرثوذكسي المتقدم أثينا غوراس، وقد حدد الحبر الأعظم العام 2033 موعداً لانعقاد يوبيل الخلاص في القدس الذي يشكل ذكرى مرور2000 عام على موت وقيامة سيدنا يسوع المسيح . آملاً أن يشكل ذلك انطلاقة قوية لوحدة المسيحيين.
من الوحدة إلى الرجاء
بعد الحج إلى نيقيا وندائه للوحدة كان لبنان المحطة الكبيرة في زيارة قداسته حيث دعا إلى الرجاء طريقاً للسلام، وقد شارك كل لبنان وكل الطوائف والديانات السماوية في استقبال قداسته والحوار معه، وهذا ما شكل ظاهرة وطنية كبيرة وظاهرة إنسانية لن يجدها قداسته في اي بقعة من بقاع العالم، فلبنان وطن الرسالة يشكل فرادة لا نظير لها مما حدى قداسته للتشديد على رسالة السلام الضرورية لوطن الأرز، السلام المبني على الرجاء والتفاهم بين مختلف أطياف النسيج اللبناني، وهذا ما سيشكل دفعاً لقداسته للعمل في سبيل لبنان وإحلال السلام في لبنان وفي كل دول المشرق. ومن المنتظر أن تنعكس هذه الزيارة التاريخية مزيداً من الاستقرار والازدهار للبنان.
عجقة موفدين
من المنتظر أن يشهد لبنان عجقة موفدين بعد انتهاء زيارة الحبر الأعظم، فمن مستشارة الرئيس ماكرون لشوؤن الشرق الأوسط السفيرة آن كلير لوجاندر التي من المتوقع وصولها إلى بيروت الأربعاء المقبل، والذي سيتبعها وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كذلك من المنتظر وصول السفيرة مورغان أورتاغوس القادمة من إسرائيل لترؤس لجنة الميكانيزم، هذا بالإضافة إلى التحركات المصرية والسعودية والعربية. من هنا فإن زيارة الحبر الأعظم قد حركت المياه الراكدة، وأدت إلى حركة دبلوماسية لا بد وأن تعطي ثمارها في تثبيت وقف إطلاق النار ومنع تنفيذ التهديدات الإسرائيلية. وأصبح من المؤكد أن ما بعد زيارة البابا لن يكون كما قبلها.
كاتب سياسي*