في لحظةٍ سياسية دقيقة يتقاطع فيها الداخل بالخارج، يطول الحديث عن الدور الأميركي في لبنان، لكن هذه المرّة من زاوية لم يعتد اللبنانيون عليها: العلاقة الشخصية! فبدلاً من المسار الديبلوماسي التقليدي المتمثّل بتقارير تُرفع إلى وزارة الخارجية ثم تُصفّى على مستويات القرار قبل أن تصل إلى الرئيس الأميركي، يجد لبنان نفسه اليوم أمام احتمال مختلف: سفيرٌ يتمتّع بقربٍ مباشر من الرئيس دونالد ترامب، قادر نظرياً، على إيصال الصورة الحقيقية للمشهد اللبناني عبر اتصال مباشر واحد فقط.
هذا التحوّل قد يبدو بسيطاً في الشكل، لكنّه بالغ التأثير في المضمون. فالمشهد في لبنان لا يتحمّل البيروقراطية، والجيش اللبناني تحديداً يعيش واحدة من أكثر المراحل حساسية منذ عقود. ومع إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن، عاد السؤال الكبير: هل تتأثر المساعدات الأميركية للجيش؟
لكنّ السفير الأميركي الموجود في لبنان ميشال عيسى اللبناني الأصل، سيرى ما لا تراه التقارير! والرهان اللبناني اليوم ليس فقط على الديبلوماسية وحدها، بل على قدرة هذا السفير بعلاقاته الشخصية وقراءته الميدانية، نقل «الواقع كما هو» للرئيس الأميركي. فالجيش اللبناني، على رغم من كل الجدل السياسي الدائر حوله، يبقى المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تحافظ على تماسكها، وتشكّل الجدار الأخير للاستقرار الداخلي.
قراءة أخرى؟
في واشنطن، الصورة ليست دائماً واضحة. فالتقارير الرسمية، مهما كانت دقيقة، تمرّ عبر قنوات تقييم قد تُبطئ وصولها أو تُفرغها من سياقها السياسي، لذلك يعلّق كثيرون آمالاً على أن يكسر السفير هذه الحلقة، وأن يحسم موقف الإدارة الأميركية من خلال تواصل مباشر مع ترامب، يستند فيه إلى واقع يراه بنفسه:
– وضع الجيش الميداني والعملياتي.
– علاقة قائده مع مختلف المكوّنات اللبنانية.
– حساسية التعامل مع المنظمات المسلحة في الجنوب والمناطق.
– الحافة الخطيرة التي يقف عليها لبنان بين الفوضى والاستقرار.
فإلغاء زيارة قائد الجيش أثار موجة تساؤلات. وقد تكون سوء تقدير وليس فقط رسالة بحسب ما قرأها البعض. فيما البعض الآخر قرأها نتيجة ضغوط داخل الكونغرس.
لكنّ الثابت أنّ الظرف الزمني الذي جاء فيه الإلغاء ليس عادياً. وفي لحظة تتصاعد فيها التوترات جنوباً، وتتداخل فيها الحسابات الإسرائيلية والأميركية، يصبح وضع الجيش تحت المجهر ليطرح أسئلة عدة؟
هل يستطيع الجيش ضبط الحدود؟ هل يحافظ على حياده؟ هل يمكن التعويل عليه في أي ترتيبات أمنية لاحقة؟
وهنا تبرز خطورة أي سوء فهم أميركي. لأنّ أي قراءة ناقصة قد تدفع في اتجاه مراجعة المساعدات أو تجميدها، ما يعني تعريض المؤسسة العسكرية للاهتزاز في أخطر توقيت.
هل المساعدات مهدّدة فعلاً؟
من حيث المبدأ، السياسة الأميركية تجاه الجيش اللبناني تقوم على ثابتة استراتيجية: دعم المؤسسة العسكرية لمنع انهيار الدولة وملء الفراغ الذي قد تستفيد منه قوى غير حكومية. لذلك، أي قرار بقطع المساعدات يتطلّب تغيّراً جذرياً في الحسابات الأميركية، وهو غير قائم حتى اللحظة. وهنا يكمن دور السفير الصديق لترامب!
ففي السياسة، التفاصيل الصغيرة تصنع التحوّلات… وهنا تحديداً يصبح دور السفير حاسماً: هل ينجح في إعادة وضع الصورة في إطارها الصحيح؟ هل يشرح لترامب أنّ الضغط على الجيش يُضعف الدولة ولا يقوّيها؟ وأنّ الجيش، على رغم من كل التحدّيات، يبقى الركيزة الوحيدة القادرة على حفظ الاستقرار؟ اتصال قد يصنع الفارق.
وفي لحظة سياسية كهذه، يصبح الاتصال المباشر أداةً استراتيجية. اتصال واحد من السفير بـ «صديقه ترامب» قد يختصر أسابيع من المراسلات الديبلوماسية، ويرسم مساراً جديداً للعلاقة بين واشنطن وبيروت، ويمنع اهتزاز الدعم الأميركي للجيش في أدق مرحلة يمر فيها.
ففي لبنان اليوم، لا تبحث الدولة فقط عن مساعدات… بل عن فهم سياسي. وإذا نجح السفير في نقل هذا الفهم إلى الرئيس الأميركي، فقد يكون هذا الاتصال فعلاً… «اتصالاً إنقاذياً».
(الجمهورية)


