صلاح سلام –
ينشغل لبنان الرسمي والشعبي اليوم بسلسلة من الأحداث السياسية والدبلوماسية المتسارعة، بدءاً من الجلسة النيابية المهددة بالمقاطعة، مروراًبزيارةالموفدةالأميركيةمورغانأورتاغوسبعد جولتها الحدوديةمنالجانب الإسرائيلي، وصولاً إلى زيارة وزير المخابرات المصرية اللواء حسن محمود رشاد، وجميعهاتدور حول محورين أساسيين يشكلان صلب الأزمة اللبنانية: سلاح حزب الله والانتخابات النيابية المقبلة.
هذا الحراك العربي والدولي الكثيف يعكس إدراكاً متزايداً لدى العواصم المعنية بأن استقرار لبنان لم يعد شأناً داخلياً صرفاً، بل عنصراً مؤثراً في توازنات المنطقة برمّتها، في ظل التوتر القائم على الحدود الجنوبية واحتمالات التصعيد الإسرائيلي المتزايدة.
السؤال المطروح اليوم هو: هل يستطيع لبنان تحويل هذا الاهتمام الخارجي إلى فرصة حقيقية لتفادي الانفجار العسكري، ولبناء مقاربة وطنية متكاملة تنهي ملف السلاح خارج الدولة؟
الإجابة تكمن في مدى استعداد القوى السياسية اللبنانية للتخلي عن حساباتها الضيقة، والتعامل بواقعية ومسؤولية مع حجم الأخطار المحدقة بالبلاد. فالعالم يمدّ يده للبنان، لكن لا يمكن لأي دعم أن يثمر ما لم يتوافر قرار لبناني موحّد يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
الزياراتالراهنة، ولاسيمازيارةالموفدةالأميركية والوفد المصري، تحمل في طياتها رسائل واضحة تتراوح بين التحذير والتهدئة، وبذل المزيد من الجهود لضبط الساحة اللبنانية، وإطلاق مسار تفاوضي لبناني–إسرائيلي، لمناقشة النقاط الحدودية المتنازع عليها، وتنفيذ مندرجات القرار ١٧٠١، وخاصة إنهاء ملف حزب الله العسكري، وتنفيذ قرار حصرية السلاح ضمن إطار الدولة ومؤسساتها الشرعية. وهي فرصة نادرة يجب التقاطها بجدية، لأن أي تردد أو انقسام داخلي سيُفسَّر كعجز عن الإمساك بزمام المبادرة، الأمر الذي من شأنه أن يفتحالباب أمام تدخلات خارجية، أو مغامرات عسكرية إسرائيلية تحت ذريعة حماية الأمن القومي.
لبنان اليوم أمام اختبار حقيقي لقدرة مرجعياته ومؤسساته على توحيد الموقف الرسمي في مواجهة الأخطار، وإظهار حدٍّ أدنى من الانسجام السياسي المطلوب لطمأنة اللبنانيين في الداخل، والمجتمع الدولي في الخارج. ومن هنا، فإن الخطوات الضرورية في المرحلة المقبلة يجب أن تبدأ بتفعيل قنوات التوافق الداخلي، وإقرار إستراتيجية التعامل مع الضغوطات الخارجية التي تدفع بإتجاه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والأطراف السياسية، لا سيما الثنائي الشيعي على قاعدة احترام القرار السيادي ووحدة السلاح الشرعي.
إن الاستفادة من الحراك العربي والدولي لا تكون بالشعارات، بل بالفعل السياسي المسؤول الذي يعيد للبنان صورته كدولة قادرة على إدارة توازناتها الداخلية والخارجية بحكمة. فلبنان لا يحتمل مزيداً من الانقسام ولا مغامرات جديدة، وما يحتاجه الآن هو موقف وطني موحد يحميه من رياح الحرب، ويعيد إليه دوره الطبيعي كواحة إستقرار، لا كساحة صراع.


