الديار: فادي عيد-
في مقاربته للمشهد الإقليمي المرتبط بالمسارات التفاوضية، التي أطلقتها قمة شرم الشيخ وبدأت من غزة، مع ما يسمّى بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يجد رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن الدكتور بول سالم، أن لبنان “وصل إلى تحدي تحديد طبيعة التفاوض والتواصل أمنياً مع إسرائيل”، مشيراً إلى أن التفاوض في هذه المرحلة “بعيد عن أي حل نهائي، لأن الإسرائيليين واضحون برفض أي تفاوض، إلا بعد عودة الدولة وحصرية السلاح، وإن كانوا يطرحون التفاوض حول بعض تفاصيل الوضع الحالي والضروري بالنسبة للبنان، إنما بالنسبة للحلول الكبرى كانسحاب إسرائيل وقف الضربات، فإن إسرائيل تربط توقيتها بما سيحصل من الجهة اللبنانية”.
ويكشف لـ “الديار” عن “أصوات عديدة ومتناقضة حول الموقف الأميركي وحتى الموقف الإسرائيلي، رغم أن توم براك، وهو الموفد الراحل إذا جاز التعبير، يقول أشياء كثيرة ولم يصل بعد السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى بيروت للاطلاع على موقفه، فيما الرئيس ترامب يبدل في مواقفه، وبنيامين نتنياهو لا يرد على الأميركيين وخصوصاً الموفدين، إلا إذا وضع ترامب ثقله في موضوع معين”.
في المقابل، يشير إلى أن “الموقف اللبناني غير واضح أيضاً، بالتوازي مع ضبابية لدى المجتمعين الدولي والإقليمي اللذان لم يفهما حتى اليوم خطة الجيش لحصر السلاح، وإذا كانت مرحلية بأجندة زمنية معينة. أم هي خطة تعايش مع حزب الله، وإذا كان الحزب يفاوض أو يرفض التفاوض. علماً أن هذه الضبابية لا تخدم لبنان، ذلك أن التفاوض الكبير سيحصل عندما يقتنع المجتمع الدولي أن الجيش استلم الامن، وعندئذ سيحصل تفاوض في تعزيز اتفاقية الهدنة مع اتفاقية إيقاف الأعمال العدائية بشكل ثابت ومفتوح الأفق”.
وعن المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و “إسرائيل”، يؤكد أنها “ما زالت واردة، ويجب ترقب الموفد الاميركي الجديد لبحث هذا الموضوع، أمّا بالنسبة للشروط فمن الممكن تعديلها، ولكن الاعتقاد أن الباب ما زال مفتوحاً، وهذه المفاوضات تتعلق بترسيم الحدود البرية، وبطرح الجيش بأن يستلم المواقع التي يجب أن ينسحب منها “الجيش الإسرائيلي” بضمانات أمنية معينة، وبوقف الضربات الإسرائيلية اليومية على لبنان، ومثل هذه المفاوضات معقولة، ولكنها تتطلب نشاطاً ديبلوماسياً ومساعي إضافية، وقد نصل إليها أو أن تبقى مؤجلة، ولكن “إسرائيل” لديها مصلحة بأن تظهر أن لديها مفاوضات مع لبنان كما هي الحال مع سوريا”.
إلاّ أن المصلحة اللبنانية كما يراها سالم، تقتضي أن تكون المفاوضات “أمنية وليس سياسية أو تطبيعا في هذه المرحلة، وأن تركز على انسحاب “الجيش الإسرائيلي”، وإيقاف الضربات المتكررة، وتثبيت اتفاقية الهدنة وبعض الأمور الأمنية الإضافية، لتأمين أمن الجنوب وعودة النازحين وإقفال ملف الحدود البرية أي تثبيتها، وهو أمر ضروري وبات أسهل اليوم بعد التغييرات في سوريا”.
وحول خطر تجدد الحرب، يؤكد أنه “دائم وقائم، والضربات مستمرة، ولكن “إسرائيل” منشغلة بقضايا أخرى حالياً، حيث أن غزة هي الأولوية الكبيرة لدى نتنياهو، والملف الإيراني يشكل الأولوية الاستراتيجية الكبرى، لأن “إسرائيل” تعتبر أن لا خطر جدياً عليها، وعندما تستشعر خطراً معيناً تقوم بضربه، ولا تعتقد أن هناك خطراً داهماً عليها من لبنان لتضطر إلى شنّ حرب كبيرة، إنما علينا أن نكون واعين دائماً”.
وعن مصير اتفاق غزة، يقول إنه “ليس صامداً ، ومن المستبعد أن تسلم حماس سلاحها، لأنها تعتبر أنها صمدت وانتصرت. وبالمقابل “إسرائيل” لا توقف ضرباتها على القطاع، وبالتالي فإن حكومة نتنياهو تفضل استمرار الوضع القائم، لأن بقاء حماس هو بجزء منه مصلحة “لإسرائيل”، ويسمح لنتنياهو برفض التفاوض ما دامت حماس مسلحة وموجودة في القطاع، ما يؤمن لنتنياهو فرصة مواصلة مشاريع الإستيطان في الضفة الغربية، وضمّ الضفة في السنوات المقبلة. ولكن الخطورة في أن يتفق الأميركيون والسعوديون على كل الملفات العسكرية والنووية والنفطية، لأن السعودية لن تعود مهتمة بالتطبيع مع “إسرائيل”، ولن يعود من حافز لدى “اسرائيل” للتفاوض حول الضفة أو إعطاء أي مطلب للفلسطنيين، لأن التطبيع مع العالم العربي والإسلامي يقابله الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن إن لم يحصل التطبيع سيتحرر نتنياهو من هذه المسألة، وسيواصل العمل لضمّ الضفة”.
وعن احتمال “تعب ترامب” من الوضع في المنطقة والملف اللبناني، يقول سالم “لا يمكن توقع الرئيس ترامب ولكن لبنان حاضر بذهن ترامب وهذا لم يحصل مع رؤساء سابقين، والسبب هو أن أفراداً من عائلته هم لبنانيون وهذا أمر إيجابي، ولكنه يغير رأيه كثيراً ويتعب، إنما يجب الاستفادة من اهتمامه الذي ليس ككارت بلانش للبنان، ما يستدعي استمرار عملية بناء الدولة وحصر السلاح، وإلا سيبقى لبنان دولة كانت لديها فرصة للنهوض، ولكنها عجزت عن ذلك وخسرت فرصة تاريخية”.


