وسط الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يُثقل كاهل اللبنانيين، وفي ظلّ شحّ الخدمات الأساسية من كهرباء وماء واستشفاء وتعليم، تفاجأ اللبنانيون مؤخَّرًا بقرار رسمي يشرّع تعليم أولاد النازحين السوريين في المدارس الرسمية اللبنانية، وبتمويل خارجي “مُبرمَج”، يراد منه فرض واقع جديد على اللبنانيين: التوطين المقنّع.
هذا القرار، الذي يُسوَّق على أنّه “إنسانيّ” و”حقّ طبيعي للطفل في التعليم”، ليس بريئًا ولا منفصلًا عن المخطَّط الكبير الهادف إلى إبقاء النازحين في لبنان على المدى الطويل، ودمجهم تدريجيًا في البنية الاجتماعية اللبنانية. والأخطر، أنّه يأتي في ظلّ صمت مطبق، بل وتواطؤ مريب، من غالبية القوى السياسية، ولا سيما بعض الأحزاب المسيحية التي لطالما تغنّت بالحفاظ على الكيان والهوية.
لا يمكن المرور على هذا القرار دون التوقّف عند موقف حزب القوات اللبنانية الذي لطالما شكّل رأس حربة الخطاب “السيادي” المسيحي، والدفاع المستميت عن لبنان “النهائي”. أين هذا النهج اليوم ؟ لماذا هذا الصمت المدوي تجاه قرار يُمهّد صراحة لتثبيت النازحين السوريين وتعليم أبنائهم وتسهيل إدماجهم ؟!
هذا الحزب، الذي لا يترك مناسبة إلا ويزايد فيها على غيره في موضوع السيادة، وقف اليوم عاجزًا، متفرّجًا، وطبعًا راضٍ ضمنيًا ،على ما جاء على لسان وزيرة التربية نفسها بأنّ “القرار أقرّ بالإجماع من دون أيّ تحفّظ”، عن تمرير قرار يعادل في خطورته قرار التجنيس، رغم الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي لإنكار هذه الموافقة، بيد أنّ هذا النهج التزويري بات جزءًا من ثقافة القوات السياسية، حيث يقبلون في الداخل ويعترضون في الخارج وعلى الإعلام. فالتعليم هو الخطوة الأولى نحو الاندماج، والاندماج بداية التوطين. فهل صار الشعار السيادي مجرد ورقة انتخابية تُخرَج عند الحاجة وتُطوى حين يحين وقت المصالح والتمويلات؟
في المقابل، يبرز التيار الوطني الحر كموقف ثابت وواضح في معركة مواجهة النزوح. التيار، ومنذ سنوات، حذّر مرارًا من هذا السيناريو، ورفض كلّ محاولات دمج السوريين في البنية المؤسساتية للدولة، سواء من خلال السكن أو العمل أو التعليم.
موقف التيار ليس عاطفيًا أو عنصريًا، بل وطنيًا خالصًا، ينطلق من حرصٍ على لبنان الرسالة، وعلى مستقبل أبنائه في وطن يعاني ما يكفي من الانهيار والفراغ والتهجير. كيف يمكن لدولة لا تؤمّن التعليم لأولاد مواطنيها أن تفتح مدارسها للنازحين ؟ وأيّ منطق يجيز صرف ملايين الدولارات على تعليم غير اللبنانيين فيما المعلّم اللبناني يتسوّل حقوقه من خلف أبواب الوزارات؟
السكوت عن هذا القرار جريمة. والمشاركة فيه، تحت أيّ ذريعة، خيانة للثقة الشعبية. وعلى اللبنانيين أن يستفيقوا قبل أن يُفرَض واقع جديد عليهم بقوّة الأمر الواقع والمال السياسي. إنّ انتخابات 2026 النيابية يجب أن تكون موعدًا للمحاسبة الحقيقية. على الناخب أن يُسقط من حساباته كلّ من تواطأ أو سكت أو غطّى هذه الجريمة الوطنية. لا مكان في البرلمان المقبل لمن باع السيادة بحفنة دولارات تحت عنوان “مساعدات تعليمية”. لا مكان لمن تخلّى عن هوّية لبنان خدمةً لأجندات خارجية.
لبنان اليوم أمام لحظة مفصلية. فإمّا أن نبقى أحرارًا في أرضنا، أو نصبح أقلّية مهمَّشة في وطن تتغيّر هوّيته كلّ يوم. القرار بيد الناس… و2026 على الأبواب.
تعليم السوريين في المدارس اللبنانية: خيانة موصوفة… والمحاسبة في صناديق 2026 – جان بو شعيا
