الديار: مريم نسر-
تَعافيْنا… رغم الجراح…
تَعافيْنا… بالبصيرة رغم فقدان البصر…
تَعافيْنا… بالإرادة والإيمان والإصرار…
تَعافيْنا… بقوة دماء القائد الشهيد الأسمى وكل الشهداء…
تَعافيْنا… بقوة التضحيات وقيمة العطايا ووجع الفقد…
تَعافيْنا… بدموع الأيتام والأباء والأمهات…
تَعافيْنا… بأحجار البيوت المدمَّرة الشاهدة على عدوانية المحتل وأطماعه…
تَعافيْنا… بتمسّك أهل الأرض بتراب الكرامة والعزّة والعنفوان…
تَعافيْنا… بالروح المقاوِمة التي لا تتراجع ولا تستسلم ولا تنهزم…
تَعافيْنا… براية الحق التي رفعتها المقاومة منذ الطلقة الأولى…
تَعافيْنا… بالوعد والعهد الذي قطعناه للسيد حسن نصرالله…
لم تكن جريمة تفجير أجهزة البايجر واللاسلكي التي ارتكبها العدو الإسرائيلي تشبه سابقاتها من أعمال شائنة قام بها الكيان الغاصب رغم وحشيته وروحه الإجرامية التي رافقته منذ نشأته، فهي أكبر من جريمة حرب وأكبر من جريمة ضد الإنسانية وأكبر من مفاهيم الإجرام العالمية التي صادفت البشرية بكل الحروب التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية ونفذتها “إسرائيل”.
حجم الجريمة يمكن مقاربته كأكبر جريمة اغتيال جماعية قام بها العدو الإسرائيلي، لكن رغم بشاعتها من زاوية المجرم… دائماً تجد من زاوية المقاومة ما يُدهش العالم من دروس في الصبر والإيمان والتحدّي والقدرة على تحويل التهديد الى فرصة كما كان يقول دائماً السيد حسن نصرالله، فهذه المقاومة عند كل استحقاق تُدخِل مفاهيم جديدة تُدرَّس وتُضاف الى قواميس ومناهج الفداء في العالم.
لقد برز حجم القدرة على استيعاب هذه الكارثة التي حلّت على بيئة المقاومة على المستوى الاجتماعي بمن فيهم الجرحى الذين تجاوز عددهم الـ 4000 من رجال ونساء وأطفال، بحيث نشأت ظاهرة جديدة في هذا المجتمع كان عليه استيعابها وهكذا فعل على مختلف الأصعدة ويمكن لَمسها من خلال مشاهدات تم حصدها على مدى عام وهي:
1ـ ما تم الحديث عنه من قِبل الأطباء عن حالة السكون والطمأنينة لحظة التفجير تبيّن فيما بعد أنها لم تكن حالة صدمة نفسية لحظوية، بل هو ما يُعبَّر عنه بالأدبيات الدينية “الربط على القلوب” لأن حالة الرضا والتكيّف مع الواقع الجديد كانت نسبتها عالية جداً لدرجة تفوق مستوى القياس العالمي.
2- فقد بات حضور جرحى البايجر في الاحتفالات والمجالس كغذاء دائم لذاكرة التضحية، وهنا برز التقدير الاجتماعي الكبير لهم، فحتى على صعيد الانتخابات البلدية والاختيارية حصد المرشحون منهم أعلى الأصوات في قُراهم ومدنهم تقديراً ووفاءً لتضحياتهم وصدق عملهم.
3- في هذه الظاهرة التي نشأت في مجتمع المقاومة ظهرت معها حميمية الصداقة، فالذين فقدوا بصرهم بشكل كلّي وعددهم 250 شخصاً بات أصدقاؤهم كمرافقين لهم يلازمونهم لتسهيل أمورهم الحياتية اليومية.
4- العدد الأكبر من الجرحى لم يفقدوا خبراتهم وقدراتهم على الإنجاز بخاصة أن أغلبهم لوجستيون وإداريون وليسوا مقاتلين فهذه كانت جريمة حرب ضد المدنيين، ضد الإنسانية واعتداء على الأمن الاجتماعي لأن مِن بين الجرحى كان هناك نساء وأطفال وأطباء.
5- في سياق الحرب، لقد كانت هذه الجريمة مِن أوراق الإدانة الواضحة لنيّة “إسرائيل” المسبقة بشن حرب على المقاومة في لبنان بمعزل عن حرب الإسناد، فالتحضير لخطة تفجير البايجر كان قبل طوفان الأقصى، بحيث كانت نية الهجوم على لبنان بشكل مباغت ستترافق مع تفجير البايجر.
أما عن الآثار التي تركتها هذه الجريمة في نفوس الجرحى، يمكن استخلاص ما يأتي:
مَن يرى جرحى البايجر ويسمع ما يقولون… يجد أن همّهم الوحيد الآن هو كيف يستمرون في خدمة خط المقاومة بحسب ظروفهم ووضعهم الحالي، فكانت واحدة من الأفكار، توجّه عدد منهم الى رفع المستوى الثقافي والعلمي بالاستفادة من التقنيات الحديثة للتعليم، كما بدأ آخرون بإكمال خدمة المقاومة في النشاط الثقافي والتبليغي والإعلامي والتعبوي وذلك بسبب المصداقية التي اكتسبوها من جراحهم، فالكلام الصادر عن جريح حول الثبات والصمود والصبر يكون أكثر بلاغة وصدقاً ووفاءً.