الأخبار: كشف انسحاب القوات السورية التابعة لحكومة دمشق من محافظة السويداء، عن سلسلة من جرائم القتل التي طالت مدنيّين، ما فتح الباب أمام موجة من «العمليات الانتقامية» المضادة.
تسبّبت أمس بحركة نزوح جماعية من الأحياء التي يقطنها البدو في أطراف المحافظة ذات الغالبية الدرزية.
وأفادت مصادر عشائرية من محافظة درعا، في حديث إلى «الأخبار»، بأنّ «عدد العائلات البدوية التي نزحت من السويداء يتراوح بين 300 و500 عائلة، فرّت من عمليات انتقامية بدأت مع ساعات الفجر الأولى، نفّذتها مجموعات قادمة من السويداء، وأدّت إلى وقوع عدد من الضحايا».
وتداول ناشطون مقاطع فيديو تُظهر قوافل من المدنيّين البدو وهم يغادرون مناطق سكنهم في اتجاه درعا، في حين أكّدت مصادر عشائرية من درعا أنّ «الأهالي يعملون على تجهيز مراكز إيواء للنازحين البدو»، وسط حالة من التوتّر الشديد واستعدادات هجومية جديدة من جانب العشائر ضدّ السويداء، في ظلّ غياب أي تدخّل من القوات الحكومية.
ومع استمرار التوتّر، أعلنت مجموعات سمّت نفسها باسم «عشائر البدو»، مساء أمس، أنها استعادت السيطرة على قرى الدور وتعارة وسميع والطيرة وصمة، عقب انسحاب الفصائل الدرزية منها.
وفيما أشارت مصادر عسكرية من السويداء إلى أنّ «الانسحاب جاء نتيجة قرار محلّي بتجنّب مزيد من الاقتتال ومنع إشعال فتنة طائفية جديدة»، قال مصدر مقرّب من فصيل «حركة رجال الكرامة» الدرزية، إنّ «عدداً من الفصائل المحلّية شاركت في عملية تمشيط بحثاً عن مجموعات تابعة للقوات الحكومية رفضت الالتزام باتفاق الانسحاب».
وبحسب المصدر، «تمّ توقيف مجموعتين تضمّان نحو عشرين عنصراً، بينهم ثلاثة من جنسيات غير سورية، ادّعوا عدم إجادتهم للّغة العربية». ولا ينفي المصدر وقوع تجاوزات، ويشير إلى أنّ «مجموعات غير منظّمة من أبناء السويداء أقدمت على إحراق منازل أو طرد عائلات بدوية»، مؤكّداً في الوقت ذاته أنّ «جهوداً تُبذل حالياً من قبل المرجعيات الدينية والاجتماعية في السويداء، بالتعاون مع مشايخ من قبائل البدو، لتخفيف حدّة الاحتقان».
طالبت الرئاسة الروحية الدرزية بفتح طرق نحو «الإخوة الأكراد»
ودعت «الرئاسة الروحية لطائفة الموحّدين الدروز»، بدورها، في بيان، إلى «احترام أبناء عشائر البدو المسالمين»، مشدّدة على عدم التعرّض لهم وعلى «التعامل مع الأسرى باحترام ووفق الأصول المعروفة». وفي كلمة مصوّرة، حمّل الزعيم الروحي للطائفة، الشيخ حكمت الهجري، المسؤولية «لكل من يهدّد الأمن والاستقرار»، مؤكّداً أنّ «مرتكبي الانتهاكات لا يمثّلون الطائفة، بل يعبّرون عن أنفسهم فقط». كما اعتبر الهجري أنّ الدروز «دفعوا ثمناً باهظاً» بسبب ما وصفها بـ«السياسات الحكومية التكفيرية» التي مارست القصف والاعتداء، داعياً إلى «نبذ العنف والانزلاق نحو حرب أهلية».
وكان لافتاً في بيان الرئاسة الروحية الدرزية، دعوتها ملك الأردن إلى «فتح معبر حدودي مع السويداء»، لما لذلك من «أهمية إنسانية عاجلة»، في وقت طالبت فيه بفتح طرق نحو «الإخوة الأكراد»، في إشارة إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات، ما يقتضي العبور عبر البادية وصولاً إلى قاعدة التنف الأميركية، ثم عبر البوكمال وشرق دير الزور في اتجاه مناطق السيطرة الكردية.
غير أنّ مصادر ميدانية اعتبرت أنّ «تنفيذ هذا المقترح شبه مستحيل من دون دعم إقليمي ودولي مباشر»، نظراً إلى أنّ مناطق البادية خاضعة لسيطرة «جيش سوريا الحرة»، الذي يُعدّ من مكوّنات وزارة الدفاع السورية، رغم ارتباطه الوثيق بالقوات الأميركية في التنف.
وبالعودة إلى الميدان، جدّدت طائرات العدو، مساء أمس، غاراتها على قرية ولغا في ريف السويداء، تزامناً مع تقدّم لعشائر البدو في اتجاه تخوم المحافظة، وسط اشتباكات بين مجموعات من البدو وأخرى من دروز السويداء.
وجاء هذا التطور في وقت أفيد فيه عن مغادرة قائد فصيل «قوات شيخ الكرامة»، ليث بلعوس، السويداء مع عدد من عناصره إلى جهة مجهولة، قبيل تنفيذ عملية مداهمة لمنزله ومقارّه العسكرية من قبل الفصائل المحلّية، على خلفية اتهامه بتسهيل عمل القوات التابعة لدمشق داخل السويداء.
أمّا في العاصمة دمشق، فشهدت الأسواق حملة تحت عنوان «وقف التعاملات المالية والتجارية مع تجار السويداء»، في محاولة لفرض ما وُصف بـ«الحصار الشعبي» على المحافظة، على خلفية اتهامات لـ«الفصائل الدرزية» بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.