اتّهام «داعش» لا يقنع الضحايا تفجير الكنيسة: «الجولاني» يطارد الشرع

الأخبار: عامر علي-

تفجير كنيسة مار إلياس يفضح هشاشة الرواية الرسمية ويكشف تصاعد تهديد الجماعات المتشدّدة وسط تجاهل حكومي يثير غضب الأهالي والكنيسة.

 

أثارت تصريحات وزارة الداخلية السورية حول وقوف تنظيم «داعش» وراء الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار الياس في حي الدويلة في دمشق، جدلاً واسعاً، بعدما أعلن مسؤوليته عن الاعتداء تنظيمٌ «جهادي» ناشئ يُطلق على نفسه اسم «سرايا أنصار السنّة»، مشكّلٌ من مقاتلين متشدّدين يتبعون «هيئة تحرير الشام» – التي كان يقودها الرئيس السوري الحالي في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقامت بحلّ نفسها بعد وصولها إلى سدّة الحكم -. وتبنّت الجماعة الجديدة – التي كشفت عن نفسها لأول مرة مطلع شباط الماضي وانخرطت بشكل مباشر المجازر التي شهدها الساحل السوري والمنطقة الوسطى ضدّ الأقليات، وبشكل خاص العلويين -، في بيان عبر قناتها الرسمية على «تليغرام»، تبنّيها للهجوم الانتحاري الذي استهدف الكنيسة أثناء صلوات الأحد الماضي، وتسبّب باستشهاد 25 شخصاً وإصابة أكثر من 60 آخرين، بينهم نساء وأطفال.

 

وبدا لافتاً في البيان الذي تزامن نشره مع موعد تشييع شهداء المجزرة، التكذيب العلني لرواية الحكومة التي حمّلت مسؤولية التفجير لتنظيم «داعش». وجاء فيه إنّ «ما نشر في بيان حكومة الجولاني عارٍ عن الصحة، ملفّق لا يستند إلى دليل، لا يستقيم في ميزان العقل، بل هو استتخفاف هزيل بعقول أهل الشام، ومحاولة يائسة لبثّ الوهم».

 

وتابع إنّ مَن قام بتنفيذ الهجوم اسمه «محمد زين العابدين أبو عثمان»، وإنّ الاعتداء جاء بعد «استفزازٍ من نصارى دمشق في حقّ الدعوة وأهل الملّة»، في إشارة مباشرة إلى الحادثة التي تعرّضت لها سيارة دعوية اقتحمت الحي قبل مدّة، وقوبلت برفض شعبي.

 

وإذ يتقاطع بيان التبنّي، بشكل كبير، مع شهادات أهل المنطقة، الذين ربطوا بين حادثة السيارة الدعوية والهجوم، فقد قابلته وزارة الداخلية بنفيٍ جديد، واتّهاماتٍ بأنّ هذه الجماعة «وهمية»، معيدةً التأكيد أنّ من يقف وراء الهجوم هو تنظيم «داعش». كما قام المتحدّث باسم الوزارة بتقديم رواية تتحدّث عن تورّط شخصَين قدمَا من مخيم الهول، أحدهما قام بتفجير نفسه في الكنيسة، والآخر تمّ القبض عليه أثناء محاولته مهاجمة مقام السيدة زينب في ريف دمشق.

 

وتابع إنّ التحقيقات، التي تم إجراؤها وتخلّلها القبض على الخليّة التي تقف وراء التفجيرات، ونشرت الوزارة أمس صوراً لما قالت إنه القبض عليها، أكّدت أنّ «الخليّة تتبع رسمياً لتنظيم داعش، كما أعلنت الوزارة من اليوم الأول، بناءً على المعطيات والتحقيقات الأولية، وليس لها علاقة بأي جهة دعوية».

 

وتابعت: «يتزعّم الخلية شخص سوري الجنسية، يدعى محمد عبد الإله الجميلي، ويكنّى أبو عماد الجميلي، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود في دمشق، وكان يُعرف بوالي الصحراء عند داعش». وأضافت إنها «قد تُعرض اعترافاته المصوّرة لاحقاً حال الانتهاء من التحقيق معه».

 

البطريرك اليازجي: «إن لم يكن حداداً على الضحايا، فليكن يوماً للحداد على الحكومة»

على أنّ تمسّك وزارة الداخلية باتّهام تنظيم «داعش»، منذ اللحظة الأولى لوقوع التفجير وقبل إجراء أي تحقيق – برغم إعلان «أنصار السنّة» تبنّي الهجوم -، بالإضافة إلى نفيها وجود جماعة تحمل اسم «أنصار السنّة» واعتبارها إياها وهمية، – برغم تبنّي الأخيرة عشرات عمليات الاغتيال على خلفية طائفية في المنطقتين الوسطى والساحلية، وحتى في العاصمة دمشق، وتوجيهها تهديدات جديدة بتنفيذ هجمات طائفية، في ظل إعلانها عن مشروع يهدف إلى إخلاء سوريا من الأقليات -، يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مدى قدرة السلطات السورية الحالية على ضبط الأوضاع الأمنيّة في البلاد. ويأتي هذا في ظل صعود جماعات متشدّدة كانت تمثّل القوة الضاربة لـ«هيئة تحرير الشام»، تضمّ مقاتلين أجانب جاؤوا إلى سوريا بهدف «الجهاد»، وفق مفهوم الجماعات المتشدّدة، بما فيها تنظيما «القاعدة» و«داعش»، وغيرها.

 

وأيّاً كانت الجهة التي تقف وراء هذه المجزرة، يكشف تجاهل الحكومة سلوكيات «أنصار السنّة»، بل وإنكار وجودها، عن محاولات لإغلاق الباب أمام الحديث عن المتشدّدين المرتبطين بـ«هيئة تحرير الشام»، لما سيتسبّب به ذلك من ضرر كبير في الصورة التي تحاول الإدارة الجديدة رسمها لنفسها، بعدما تخلّى الشرع، الذي دان الهجوم، عن لقبه «الجهادي» السابق (الجولاني)، وأعلن تبنّي موقف وسطي يهدف إلى بناء سوريا متنوّعة. غير أنّ هذا الإعلان لم يقابله سلوك حقيقي على أرض الواقع، في ظل تواصل الحالة الفصائلية من جهة، واستمرار تبعيّة العناصر لشيوخها و«أمرائها»، بدلاً من التبعيّة لجهاز حكومي رسمي.

 

ونبّه إلى تلك الأوضاع رجال دين مسيحيون، وأرجعوا إليها سبب هذا الهجوم، الذي يعتبر الأول الذي يستهدف المسيحيين بشكل مباشر منذ عام 1860، في إشارة إلى ما يطلق عليه تاريخياً «طوشة النصارى»، التي تعرّض عبرها المسيحيون لهجمات دامية تسبّبت بمقتل نحو 5 آلاف من أصل 22 ألفاً كانوا يعيشون داخل أسوار دمشق القديمة، وفق تقديرات تاريخية. وتحدّث رجال الدين هؤلاء، أثناء لقائهم بعض المسؤولين الذين زاروا موقع التفجير، عن انتشار ظاهرة «الأمير» و«الشيخ»، وعدم وجود مؤسّسات حقيقية، والصعود غير المسبوق للجماعات المتشدّدة التي تملك سلطة كبيرة تسمح لها بمهاجمة مكوّنات المجتمع.

 

وأثناء مراسم تشييع شهداء مجزرة الكنيسة، أكّد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر اليازجي، أنّ الحكومة السورية تتحمّل كامل المسؤولية عن تفجير كنيسة مار إلياس، مشدّداً على أنّ ما جرى «ليس حدثاً عابراً». وتابع في كلمته التي ألقاها من كنيسة الصليب في منطقة القصاع في دمشق: «لم نرَ أي مسؤول سوري في موقع التفجير، باستثناء الوزيرة هند قبوات»، متابعاً إنّ «الضحايا ليسوا مجرّد قتلى، بل شهداء الوطن»، وعبّر عن خيبة أمله من استمرار غياب التفاعل الرسمي، رغم الدعم الذي قدّمته الكنيسة للرئيس السوري.

 

وأضاف: «مددْنا أيدينا لبناء سوريا الجديدة، لكننا لا نزال ننتظر أن تمتدّ يدٌ إلينا (…) نأسف لذلك، ونناشد الرئيس حكومة لا تلهو بالقرارات، بل تشعر بأوجاع شعبها». كما دعا البطريرك اليازجي إلى إعلان يوم التفجير «يوماً رسمياً للحداد»، كاشفاً أنه تم إخباره أنه سيتم تبنّي مطلبه، «لكنّ ذلك لم يحصل». وأضاف: «إن لم يكن حداداً على الضحايا، فليكن يوماً للحداد على الحكومة».

You might also like