الثبات: حسان الحسن-
كانت لافتة جدًا نتائج الانتخابات الاختيارية في دائرة باب التبانة (كدائرة مختلطة من أهل السنّة والعلويين) في طرابلس، فما حدث في الأيام الفائتة لم يحدث في “عز أيام” الوصاية السورية على لبنان، لجهة رعاية لوائح المرشحين إلى انتخابات المجالس المحلية. ففي زمن “الوصاية” سعت بدورها لإيصال ثمانية مرشحين سنّة وأربعة علويين إلى مركز مختارٍ، في دائرة “التبانة”، للحفاظ على التوازن المذهبي فيها، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ثم اختل هذا التوازن إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في منتصف شباط 2005، وبعد خروج القوات السورية من لبنان في أواخر نيسان 2005، لما كان لهذين الحدثين من ارتدادات أمنيةٍ سلبية على مجمل الأوضاع في لبنان، خصوصاً على صيغة العيش الواحد بين أبناء طرابلس، تحديدًا منطقة باب التبانة، التي شهدت إحدى وعشرين جولة اقتتال، عرفت بـ”اشتباكات جبل محسن وباب التبانة”، التي انتهت في منتصف شباط 2014 مع ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، ثم توقيف قادة محاور الاقتتال، ومحاكمتهم.
ولا ريب أن كان لهذه الاشتباكات تأثيرًا مباشرًا على الواقع الانتخابي في عاصمة الشمال، إن في الانتخابات النيابية، وإن في الانتخابات البلدية والاختيارية. فعلى سبيل المثال، لم ينجح إلا مختار علوي واحد، في “التبانة”، في الانتخابات المحلية التي أجريت في العام 2016.
أما اليوم، فقد أثبتت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في “الفيحاء”، تحديدًا في “التبانة”، أن أبناءها من مختلف الطوائف متمسكون بصيغة العيش الواحد، فعلًا لا قولًا، بدليل نجاح سبعة مخاتير علويين، وسبعة من أهل السنة، بعد إضافة مقعدين اختياريين إلى الدائرة عينها، خارج أي وصايةٍ، وبعيدًا من تأثير خطب التحريض المذهبي المقيت. فحدث ما حدث. كذلك فاز مرشح علوي واحد في انتخابات المجلس البلدي، في طرابلس، بعد غياب التمثيل العلوي عن هذا المجلس، منذ العام 2016.
كذلك أسقطت هذه النتائج، كل الأكاذيب التي تتحدث “عن التضعضع في الشارع العلوي”، بعد سقوط الدولة في سورية، في الثامن من كانون الأول الفائت، فالعلويون طرابلسيون أقحاح، وهم جزء أساسي من النسيج الاجتماعي الطرابلسي، وليسوا جاليةً سورية في عاصمة لبنان الشمالي، وقد حققوا هذه النتيجة اللافتة، من خلال انصهارهم في هذا النسيج، فلا يمكن وصول سبعة مخاتير وعضو في المجلس البلدي في الفيحاء بدون تأييد أهل السنّة لهم، “أي حصولهم على أصوات سنّة”.
كذلك أثبت الشارع العلوي الطرابلسي، بمن فيه القوى الحزبية والسياسية، التفافه حول مرجيعته الدينية المتمثلة بـ”المجلس الإسلامي العلوي”، خصوصًا في هذه الظروف الدقيقة التي تمر فيها المنطقة، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي أدّاه مشايخ الطائفة العلوية، الذين حثوا شارعهم على الاقتراع بكثافةٍ، من دون التدخل في خيارات هذا الشارع، فقال كلمته… فجاءت مدويةً.