الديار: أحمد أصفهاني-
هل كان أحدٌ منا يتوقع أن تُصدر قيادة الأمر الواقع الحاكمة في دمشق قرارات تختلف عن تلك التي طلع بها علينا أحمد الشرع (الجولاني)، ومنحته سلطة مطلقة للقيام بمهام رئاسة الجمهورية “خلال المرحلة الانتقالية”؟
إن أي مراقب لمجريات الأحداث في الجمهورية الشامية، منذ تفجر الأوضاع سنة 2011 وصولاً إلى عملية تسليم البلاد للجماعات المتطرفة قبل أشهر قليلة، يستطيع أن يستشرف طبيعة المسار الذي دخلته البلاد والنتائج الناجمة عنه.
ذلك أن منطق الغلبة وعقلية الإلغاء ونهج الاستبداد هي صفات ثابتة في بنية “الإسلام السياسي” (وهذا ينطبق إلى حد معيّن على المسيحية السياسية واليهودية السياسية والهندوسية السياسية… إلخ)!
ويظهر لنا التاريخ الموثق أن “الغلبة” كانت قاعدة عامة في تبدل السلطات منذ قيام الدول الإسلامية بعد وفاة النبي العربي. وكان نادراً جداً أن يتم تداول الحكم بالطرق السلمية.
ما يهمنا تناوله في هذه الكلمات الموجزة هو أن الحزب السوري القومي الاجتماعي معني بتلك القرارات الإلغائية، ومستهدف في الوقت ذاته.
وسنكتفي الآن بالتعاطي مع الوضع الحزبي المستجد على ضوء قرار حل الجبهة الوطنية التقدمية، وحل أعضائها بمن فيهم الحزب السوري القومي الاجتماعي.
وقد يبادر بعض القوميين الاجتماعيين إلى فتح ملف عضوية الحزب في جبهة كان يملكها حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم ويديرها كما يشاء وساعة يشاء!
وعلى الرغم من موافقتي على النظرة السلبية إلى الجبهة ورفضي المبدئي لعضوية الحزب فيها، إلا أني أعتقد بأن الظرف الآن غير مناسب إطلاقاً للبدء بعملية نقد ونقد ذاتي ومحاسبة سياسية، حرصاً على أوضاع القوميين الاجتماعيين في الشام بعد قرار حل الحزب، ومنعه من القيام بأي نشاط.
من حيث المبدأ نقول ونؤكد أن الحزب لم ينشأ بقرار ولن يُحل بقرار… كائناً من يكون قد أصدره. فالحركة القومية الاجتماعية نهضة شاملة لا تحدها إعتبارات سياسية آنية. وعندما يمارس القومي الاجتماعي إيمانه ودوره في متحده الاجتماعي، فهو لا يستأذن أحداً ولن يخضع للضغط والإرهاب.
وإذا كان القومي الاجتماعي يحترم القانون، فهو يحترم القيم التي يحملها القانون وليس الصيغ التشريعية التي يفرضها عامل “الغلبة”.
والآن نصل إلى بيت القصيد، وهو السؤال الذي يطرحه عدد كبير من القوميين: كيف يمكن للرفقاء في الكيان الشامي أن يتعاملوا مع الخطوات الإلغائية، من دون تعريض أنفسهم ورفقائهم للخطر الكامن في دوائر السلطة؟
لا يتوقعن أحدٌ أن يقرأ الجواب هنا، ولا في أي مكان آخر! إنما أردت إثارة هذه المسألة كوني قد لاحظت أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي انخرطت في نقاشات وتعليقات لم تبقِ شيئاً مستوراً، في حين أن المطلوب في ظروفنا القومية والحزبية الحساسة ممارسة الروية والتفكير العقلاني الهادئ والتخطيط المستقبلي البعيد المدى.
ولا شك في أن البداية السليمة للوصول إلى الجواب تكون في إغلاق النقاشات العلنية على مواقع التواصل الاجتماعي. من المفيد طبعاً أن يتداول القوميون في أمورهم، لكن ليس على الأسطح الكاشفة. هذه دعوة ملحة للتوقف عند الحد الذي وصلت إليه الحوارات.
نحن نثق بأنفسنا ونثق برفقائنا في كل مكان، وخصوصاً في الشام… فهم أدرى بشعابها المعقدة. فلندعمهم بالصمت… الذهبي!