عهد جديد ولبنان الرابح الأكبر (حبيب البستاني)

حبيب البستاني

مباشرة وبعد انتخاب العماد جوزف عون رئيساً بدأت بعض الأقلام لا سيما تلك التي تدور في فلك بعض السياسيين بتحليل هذا الانتخاب وتحديد هوية الخاسرين والرابحين، وكأن البعض اعتقد أن اللعبة لبنانية في حين كان واضحاً للجميع أن الأمور قد رُتبت وأن كلمة السر وصلت من الخارج لكي يسير الجميع في خط تأييد العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية. وهذا الانتخاب يشبه إلى حد بعيد كل عمليات انتخاب الرؤساء، طبعاً مع بعض الاستثناءات، منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، وطبعاً اللاعبون لبنانيون ولكن المقرر أو المقررون هم من خارج الحدود. وهذا لعمري هو أمر جيد بالنسبة للبنان لا سيما في هذه المرة، فبعد أكثر من سنتين وثلاثة أشهر أفرجت دول القرار عن انتخابات الرئاسة وسمحت بإجراء هذه الانتخابات ووصول رئيس جديد للجمهورية بهوية ماورونية وانتماء لبناني كما جرت العادة. وهذا له أكثر من معنى ومغزى، وهو بكل بساطة يشكل بداية جيدة للبلد بعد سنوات الفراغ وبعد حرب مدمرة قضت على الأخضر واليابس. وقد اتى انتخاب قائد الجيش ليقطع الطريق على أكثر من طامع وطامح، ولا سيما على أولئك الذين كانوا يشكلون مشروع فتنة نظراً لمواقفهم المتشنجة، وكذلك على عدد كبير من المسترئسين الذين راحوا يعرضون بضاعتهم على مختلف مراكز القرار لا سيما المحلية، فكانت بكركي كونها الأب الروحي للموارنة محج هؤلاء بحيث أن المقاعد الأولى كانوا يحتلونها، فاصبحوا بين ليلة وضحاها من المؤمنين الممارسين الذين يتقدمون للمناولة في كل قداس، ولم ينقصهم شيء سوى الضرب على الصدور والتضرع لله وطأطأة الرؤوس، فكانوا يشكلون صورة سوريالية للتزلف، بحيث أنهم لم يتركوا مقعداً لجمهور المؤمنين. وهكذا مع انتخاب الرئيس الجديد نعم اللبنانيون بغياب هذه الطبقة التي كانت تقض مضاجعهم بحيث خافوا على مصيرهم في حال وصل المرابين والجشعين والميليشيويين واحتلوا مركز الرئاسة.
الرئيس أنقذ الجمهورية وبعض النواب أنقذوا الديمقراطية
إن انتخاب رئيس للبلاد قد أنقذ الجمهورية التي كانت تتهاوى ويتهاوى معها الوطن، بحيث تغلغل الفراغ إلى مختلف مفاصل الدولة وإداراتها، وغاب عنها القرار المركزي الذي كانت تتقاسمه أكثر من جهة ومرجعية فاختلط الحابل بالنابل وبتنا نعيش في جمهورية “كل مين إيدو إلو”، وهكذا جاء الرئيس وبمجرد مجيئه وضع حداً لكل ذلك ووضع حداً للتدهور الحاصل، وباتت كلمة “من هون ورايح” على كل شفة ولسان، فالرئيس وأياً يكن الرئيس له هيبته وطلته وله مركزه “الأول في الجمهورية”، فكيف إذا كان الرئيس واحداً من الذين خرجوا من رحم المؤسسات، لا بل خريج أنبل مؤسسة في الجمهورية اللبنانية وهي مؤسسة “شرف تضحية وفاء”. ومن المعلوم أن الجيش له احترامه ومكانته في قلوب اللبنانييين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومعتقداتهم. وفي جلسة الانتخاب جاء موقف تكتل لبنان القوي وبعض النواب، ليعطي نكهة ديمقراطية على هذه العملية، وكما قال أحد علماء الدستور أنه لولا وجود التكتل وبعض النواب لكان يجب استيلادهم، لأن مجلساً يصوت بنسبة 100% لأي مرشح يعطي العملية صفة التعيين وينفي عنها صفة الانتخاب.
رئيس جديد ورئيس حكومة جديد
لقد كان طبيعياً أنه وبعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية أن يتم اختيار رئيس جديد للحكومة، نظيف الكف غير منغمس في بؤر الفساد وغير مقيد بثروات أو بمصالح تجارية أو بمشاريع لا سيما داخل لبنان قد تكبل يديه، ويحصل عندها النزاع بين مصالحه الشخصية وبين مصالح الدولة وحقوق المواطنين. وهكذا على مثال وصورة فخامة الرئيس العماد جوزف عون تأتي صورة دولة الرئيس القاضي نواف سلام، فيلتقي الإثنان على حب الوطن وعلى خدمة المواطنين والحفاظ على حقوقهم. واليوم أكثر من أي يوم مضى، الجميع مدعو للمشاركة في ورشة إعادة بناء الدولة والمؤسسات ووضع اليد باليد للقيام بورشة إعمار ما تهدم وإعادة بناء البنى التحتية للدولة وكل مؤسساتها الخدماتية والاستثمارية، ولا سيما إعادة أموال المودعين ووضع لبنان على سكة الحداثة وذلك في كافة المجالات، مع البدء في عملية الإفادة من كامل الثروات الغازية والنفطية ولا سيما المياه. وهكذا يعود لبنان الرابح الأكبر فعلاً لا قولاً.

You might also like