مرحلة ما بعد الحرب: هل يكون “التيار” الجسر الجامع لبنانياً؟ ميشال ن. أبو نجم

هي مرحلة جديدة يدخلها لبنان المثقل بوطأة الحروب المتتالية من بوابة الجنوب المواجه للتوسعية الإسرائيلية منذ 1948، تُرسَم فيها معادلات جديدة على الحدود الجنوبية. مرحلة جديدة لكن بمشاهد مُستعادة في شكل أو بآخر، فمنذ اجتياح 1978 والحديث يتكرر عن نشر الجيش الذي أوقف في كوكبا في ذلك العام، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الطائف عام 1991 وما بعد حرب تموز 2006. هذه المرحلة تبدو أكثر ضبطاً بسبب نتيجة الحرب، وبسبب حجم التدخل الدولي والأميركي بالتحديد.

المشهد الجديد للوضع اللبناني سيستدعي بطبيعة الحال إدارةً داخلية بأشكال متغيّرة. ولا شك أن الحرب أظهرت، إضافة إلى التضامن الوطني الإنساني التقليدي، ترسخاً لانقسامات وصعوداً لرهانات وحقيقة ما يعتمِل داخل المجموعات اللبنانية. ازداد سوء الفهم والتشكيك وبالتالي الإتجاه صوب الإنغلاق بعد مراجعة الحسابات. وأحد أبرز الإنعكاسات صراع السرديات الحاد للحرب ولمفهوم “الإنتصار”. فالسردية التقليدية لحزب الله منذ العام 2006 وحتى ما عكسه خطاب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أمس الجمعة، تربط الإنتصار بعدم القدرة على هزيمة المقاومة، وبإمكان مواصلة استهداف إسرائيل. والجانب الأكبر من هذه السردية، وبقدر ما هو موجّه ضد العدو، فإنه يُرفَع ضمن المواجهة الداخلية مع قوى لبنانية كانت بدأت تشحذُ كلَ ما في جبعتها انتظاراً لهزيمة “الحزب”. إن كنتم تنتظرون هزيمتنا فأحلامكم سقطت أمام صمودنا، هكذا يقول الحزب و”بيئته” الحاضنة.
والسردية المقابلة تقليدية بقدر قناعة تاريخية لدى قسم من اللبنانيين بأن حماية لبنان لا تتم بالقوة العسكرية، وبقدر ما تستند إلى تفاهمات دولية والقرارات الدولية والعلاقة تحديداً مع الغرب. هي سردية “قوة لبنان في ضعفه” والتي أعادتها قساوة الحرب وحجم الدمار إلى واجهة التداول على أنها الحل السحري للتعاطي مع الواقع الإسرائيل التوسعي. بطبيعة الحال، فإن طيات هذه السردية تتضمن تحويل ما هو “انتصار” في منظور “الحزب”، إلى “هزيمة” ساحقة، وتستخدم صور الدمار والخسائر المادية والبشرية الكبرى. حسناً، ماذا فعلت قوتكم الفائضة إزاء العدوان إذاً، تسأل هذه السردية ثم تجيب نفسها بالنفي.

في حروب كهذه، وفي مجتمع لبناني منقسم كما جيرانه في دول المشرق، من الطبيعي أن نشهد على مظاهر التداعيات. حزب الله يقر بالواقع ويحتمي بسقف الطائف والحوار، لكن بيئته تتجه لدى شرائح منها إلى الخوف من الآخر وبالتالي الإبتعاد عن المساحة المشتركة بين اللبنانيين. أما خصوم “الحزب”، فتتنامى لديهم نزعات النفور من حزب يعتبرونه أنه استجلب الدمار وضرب بالتالي استقرارهم وأمنهم. هنا أيضاً، قد تصبح هذه النزعة مولداً لموجات من التحريض وأحلام الإقصاء والتحجيم.
تداعيات الحرب هذه وقساوتها مجتمعياً، هما من يخلقا الحاجة البديهية إلى جسرٍ جامع بين اللبنانيين. مساحة مشتركة بتعاطٍ مختلف عن عقليتي التخوين والثأر. كتلة لبنانية تحتضن وتجمع وتتفهم، وفي الوقت نفسه تصارِح ولا تخفي الحقائق بالأكاذيب والأوهام وسياسة النكران المرَضية لكل ما حصل. كتلة لا تضع نصب عينيها إلا مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، وهي التي تبقى البوصلة والهدف.
ويبقى التيار الوطني الحر، الأقدر بتجربته السياسية على صياغة هذه الكتلة، وأن يكون بالتالي القاطرة لمشروع لبناني وطني جامع، بعد استخلاص العبَر…

*رئيس تحرير tayyar.org

You might also like