رلى إبراهيم-
بمعزل عن أي خصومة سياسية، تبدو تهنئة سمير جعجع واجبة. فهو، تحتَ تأثير أوهامه المُزمنة يهلوس بالكثير مما يتمناه في قرارة نفسه، ويقوله على شكل اقتراحات للخروج من الأزمة. أول أمس، لم يخف جعجع حلمه بدولة من دون الطائفة الشيعية، ولو صحّ له الأمر لاختاره بلداً من دون المسلمين عموماً، وربما من دون قسم من المسيحيين أيضاً. هذا هو سمير جعجع، الذي أياً يكن الزمان والمكان، ومهما تكن الظروف السياسية المحلية أو الإقليمية التي يمر بها لبنان أو المنطقة، يبقى هو هو. جعجع القابع بين جسر المدفون وحاجز البربارة، والذي يتصرف اليوم على أن إسرائيل «أنجزت المهمة»، ولم يبقَ سوى وقت قليل للتخلص من حزب الله نهائياً، وحينها سيُعطى له البلد على طبق من ذهب.
مرة أخرى، يحرق قائد «القوات اللبنانية» المراحل، ويبدو مستعجلاً أن تحسم إسرائيل الوضع الميداني، حتى يبدأ في قطف الثمار في السياسة. يطلق الأكاذيب ويصدّقها، ويتقلّب في قصره على جمر انتظار القضاء على حزب الله، متبنّياً السردية الصهيونية بأن جنود العدو «أخذين أو محتلّين أو منظّفين 200 كلم من لبنان، بينما صواريخ الحزب الدقيقة باتت قليلة وصار ردّها سهلاً بالنسبة إلى إسرائيل». وبحسب معلومات جعجع، فإن جيش الاحتلال سيبدأ «المرحلة الثانية من الغزو البري وربما المرحلة الثالثة، لإبعاد حزب الله 30 كلم عن الحدود كي لا تصل صواريخه إلى إسرائيل».
وفيما يتّكل «الحكيم» على إسرائيل لإنجاز الشق الميداني من الحرب، فقد بدأ بوضع خريطة الطريق لتسلّم «القوات» وفريقها السلطة، ليتولى الجزء الآخر من المهمة ــ يكون القسم الثاني من العمل، بتجريد حزب الله من سلاحه في كل لبنان، وعدم إشراكه في أي حكومة إلا بعد إعلان استسلامه… وصولاً إلى المزايدة حتى على عرّابته السفيرة الأميركية. فالأخيرة أبلغت «أصدقاءها» سراً أن «حزب الله انتهى»، فيما يقول «الحكيم»، علناً إن الشيعة هم من انتهوا. وهو ما جعله يقول إنه لا ضير في «عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون النواب الشيعة»، بما أن الدستور تحدّث عن «المناصفة بينَ المسلمين والمسيحيين»، مفترضاً أن بقية المكوّنات في جيبه، وأن بقية المسيحيين سيُسلّمون به رئيساً للجمهورية، وأن لا معارضة درزية أو سنية لما يقوم به.
لكنّ جعجع، لا يقف فقط عند هدف تدمير حزب الله. بل هو يستعجل قلب النظام السياسي وعزل الشيعة وتطبيق القرارات الدولية حتى لو فيها «شيء من المسّ بالسيادة» كما قال في إحدى مقابلاته. وهو عاد ليقول لقسم من اللبنانيين إن كل ما يقوم به هدفه حمايتهم، ولو أنه سمع كلاماً من عدة أوساط مسيحية وسنية ودرزية بأنه يفكر بمشاريع تهدد السلم الأهلي، غير أنه لا يبدو من سلوكه متهيّباً تجدد الحرب الأهلية.
وبينما اعتقد البعض، بأن كلام جعجع سيكون مقدّمة لفتح سجال كبير، كان لافتاً رفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري التعليق على «نصائح» جعجع لرئيس المجلس بتجريد حزب الله من سلاحه وعقد جلسة نيابية من دون الشيعة. لكنّ مصادر مطّلعة في التيار الوطني الحر وصفت كلام جعجع بـ«الهلوسات»، وقالت إن «الخلاف مع حزب الله لا يعني عزل طائفة بأكملها. وفيما كنا كمسيحيين نرفع شعار الميثاقية في كل معركة، لا نقبل أن يُمارس على غيرنا ما لا نقبله على أنفسنا».
من جانبها، سألت مصادر قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي عمّا «إذا كانَ جعجع قد أخذ رأي الدروز في هذا الأمر أم أنه يظنّ بأنه يقودهم أيضاً ويقرر عنهم»، مؤكدة أن «الحزب لا يمكن أن يشارك في أي جلسة نيابية من دون وجود كل الطوائف أو يقبل الدخول إلى حكومة مبتورة»، وسألت: «من سيدعو إلى جلسة نيابية من دون الشيعة إذا كان الرئيس هو بري، أم أن أحلام جعجع تجاوزت كل الخطوط؟».
وفيما رفض حزب الكتائب التعليق على كلام جعجع، لفتت مصادر مقرّبة من الحزب إلى «تمايز موقفنا عن مواقف معراب». كذلك رفض النائب أشرف ريفي التعليق على كلام جعجع، وأكد النائب مارك ضو، الذي يُعدّ من الفريق الأكثر تشدداً تجاه الحزب، أنه يفضّل المشاركة في جلسة انتخاب رئاسية تحضرها كل المكوّنات. وعارض «الخطاب الذي يحمل تعبئة للنفوس»، وقال لـ«الأخبار» إنّ «التروي والحكمة مطلوبان لإنقاذ البلد وتحقيق شراكة حقيقية». فيما شدّد النائب ياسين ياسين على أهمية «الخطاب الجامع الذي يُعزز التضامن الوطني، ويسمح باستغلال الظرف في سبيل توحيد الصف، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يشكّل مصدراً للشرذمة». وأبعد من الموقف من الاستحقاق الرئاسي، لفت ياسين إلى أن «لا مصلحة وطنية في التعاطي مع المكوّن الشيعي (طائفياً وسياسياً) على أنّه انتهى، والتطبيع مع مبدأ فرّق تسد الذي يتّبعه العدو، في وقتٍ يحتاج فيه لبنان إلى وحدة بوجه الخطر الوجودي المُحدق به».
من جانبه، أكّد النائب الياس جرادة موقفه المبدئي بأنّ «رئيس الجمهورية المُنتخب يُفترض أن يحظى بثقة الغالبية، ويُطمئن جميع الأفرقاء»، وذلك من ضمن سياق «لعب دور وطني انطلاقاً من تبني قضية الدفاع عن لبنان، في ظل حرب التدمير المُمنهج التي ستطاول الجميع، وواهم من يظن غير ذلك».
من جهتها، ذكّرت النائبة حليمة القعقور بموقفها من الاستحقاق الرئاسي، قائلة إنّها «ضد الطريقة التوافقية في اتخاذ القرارات السياسية»، لكنها أعربت عن توجّسها من موقف جعجع في هذا التوقيت، لما فيه من «تعزيز للفتنة في وقتٍ يحتاج فيه البلد إلى التوحّد بوجه العدو»، متوجهةً إلى جعجع بسؤال: «ما الذي تغيّر حتى انقلبت على موقفك المنادي بالميثاقية وعدم تغليب مكوّن على آخر؟».