اللحظة اللبنانية بالغة التسارع، في ظل أعتى عدوانية شهدها التاريخ، وفي ظل السعي لا لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، بل حتى العودة إلى التوسع الجغرافي والعبث بالحدود، كما بدأت تعبّر عن ذلك العنجهية الإسرائيلية في الحديث عن أن “الليطاني هو حدود إسرائيل الشمالية”، لا بل استحضار أسطورة “من النيل إلى الفرات…
ومع التلويح بالإجتياح البري لجنوب لبنان، وتصعد الغارات إلى عمق لبنان في البقاع، أطل الشيخ نعيم قاسم، ليطمئن بيئة حزب الله بعد اغتيال أسطورته السيد حسن نصرالله، إلى الإستمرارية أولاً بالعمل على انتخاب أمين عام جديد بسرعة، وإلى مواصلة الهيكلة الحزبية والعسكرية جهدها كالمعتاد، مع تشديده على استمرار ربط نشاط “الحزب” العسكري بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.
إطلالة قاسم التي كان لا بد منها مع كل الضربات الموجعة التي تلقاها “الحزب” في غضون أسابيع قليلة، ومع الإنتقاد المتصاعد للسياسة الإيرانية، ترافقت مع تهديدات إسرائيلية بأن الإجتاح البري بات وشيكاً. فوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أكد هذا الأمر في جولة تفقدية “شمالية”، كما أكدت ذلك التسريبات الآتية من الولايات المتحدة المتفرجة على سياسة نتنياهو العدوانية، من دون أي لجم حتى الساعة، طالما هذا السياق يخدم المصلحة الإسرائيلية.
هذا الإطار يزيد من التحيدات الإستراتيجية على لبنان لا بل الوجودية، وهو الذي بات مثقلاً بالعدوان العسكري على قوة المقاومة، إضافةً إلى أزماته المالية والإقتصادية، مع خطر استمرار نزوح الأهالي إلى اقتراب فصل الشتاء و”آلامه” الموجودة ولو من دون حرب مدمرة. ومن هنا، الحاجة إلى تظهير موقف لبناني وطني شامل بالسعي للحد من الخسائر، والضغط على المجتمع الدولي للتدخل.
وفي السياق الدولي، حط وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو مع القيادات الدينية والسياسية، مؤكداً العمل على تنفيذ القرار 1701 والعمل على انتخاب رئيس بالتوفيق بين اللبنانيين فوراً واستعادة مؤسسات الدولة، ومشيراً إلى أن مبادرة ماكرون وبايدن لوقف النار لا تزال مطروحة. لكن هذه التصريحات وغيرها، لن تكون ذات نتجة قبل توضح سياق دولي – عربي عملي وعاجل، وإلا يكون كل ذلك تعبئة للفراغ في الوقت الضائع، فيما عدوانية بنيامين نتنياهو تحرق الأخضر واليابس.
وإلى جانب محاولة وقف العدوان، تبقى السياقات الداخلية هي الأهم في مقاربة الحل، الذي يجب أن يبدأ بانتخاب رئيس بتوافق اللبنانيين، في هذه اللحظة قبل أي تداعيات محتملة. لكن هذا النقاش الذي دار اليوم الإثنين بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، انتهى إلى إشارة بري إلى انتخاب رئيس توافقي ولا يشكل تحدياً لأحد، لكن مع ربطه بوقف النار.
وهذا السياق من التجاذب، سيبقى محكوماً برهانات القوى الفاعلة، والتي لم تخرج غالبيتها من سياق الرهانات على الوقت، في الوقت المطلوب الإتعاظ من الماضي والمباشرة إلى حلول وطنية لبنانية ميثاقية، هي وحدها السقف الحامي للجميع في هذه اللحظة البالغة الخطورة.