واشنطن والرياض لحلفائهما: تحضّروا للانتخابات… وبعدها نتحدّث!

الأخبار: إبراهيم الأمين-

هل كان متوقّعاً خلاف ما صدر عن قمة الرياض بين الرئيس جوزيف عون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟

السؤال مردّه إلى ارتفاع سقف التوقعات من الزيارة. فبعد انتخابه رئيساً للجمهورية، جرى الحديث عن رغبة عون بإنجاز سريع لعملية تكليف رئيس الحكومة وتأليفها، لأنه يستعدّ لجولة خارجية تبدأ بالسعودية.

 

وتولى مقرّبون من الرئيس، ومعهم «إعلاميو كل العهود»، الحديث عن «نقلة نوعية لأن السعودية كانت أكثر دعماً لانتخاب عون من الولايات المتحدة».

 

وبعد تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، صبّت الخطوة في سياق تعزيز الوصاية الأميركية – السعودية على السلطات التنفيذية في لبنان، علماً أن لهذه الوصاية نفوذاً قوياً داخل المؤسسات الرسمية، السياسية والأمنية والعسكرية والقضائية، إضافة إلى نفوذها المستمر بين السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين.

 

وعندما نالت الحكومة الثقة، تصرّف فريق الوصاية الجديد على أن زيارة عون للسعودية ستكون بداية انقلاب كبير، يبدأ بإنهاء «عزلة» لبنان التي تسبب بها حزب الله وحلفاؤه، ولا تنتهي مع فتح خزائن الدعم.

 

الواضح أن في لبنان من لم يقرأ حجم المتغيّرات التي طرأت على العالم، وعلى السعودية في العقدين الأخيرين.

 

فجاء من يلقي الماء البارد لتهدئة النفوس، إذ تقرّرت زيارة تعارف سريعة بدل زيارة عمل طويلة كان يُفترض أن تستمر أياماً، يرافق فيها عون رئيس الحكومة ووزراء، ويصار إلى توقيع 22 اتفاقية تعاون بين البلدين، وتُتوّج بإعلان سياسي من حاكم السعودية، يقول فيه إن بلاده رفعت الحظر عن لبنان، وصار في إمكان مواطنيه زيارة بيروت، ورجال الأعمال السعوديين الاستثمار فيه.

 

كما توقّع أصحاب الآمال العالية أن يتوّج ابن سلمان موقفه هذا بـ«مكرمات»، تشمل العفو عن معتقلين لبنانيين في سجون المملكة، وهبات مالية لمساعدة الجيش، ودعم إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وذهب البعض إلى الحديث عن نية السعودية تخصيص لبنان بكمية من المشتقات النفطية لزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي.

 

ما الذي حصل؟

زوار السعودية قبل أسبوعين عكسوا خلاف توقّعات أتباع الوصاية في بيروت. أحدهم خرج من الرياض بانطباع ومؤشرات على أن ابن سلمان غيّر رأيه في ما يتعلق بلبنان، وبات يظهر اهتماماً لم يكن موجوداً سابقاً، لكنه يعتقد بأن الظروف لم تنضج إلى مستوى القيام بقفزة كبيرة في العلاقات الآن.

 

وتوقّع الزوار أن تبادر السعودية إلى «دعم ما»، لكن ليس من الوزن الذي يحدث فارقاً.

 

وأوضح هؤلاء أن السعوديين يوجّهون سيلاً من الأسئلة إلى الجهات المعنية بملفات لبنان، بما في ذلك الأوروبيون والهيئات المالية والنقدية الدولية، وأن الرياض تصرّ على أن في لبنان مشكلة كبيرة في القوانين وفي الإدارة، وأنه من دون إصلاحات جدية، لا معنى لأي دعم.

 

ساد إحباط بعدما تحوّلت زيارة عون للسعودية إلى لقاء «سهرة تعارف» حتى من دون «مكرمات» ملكية

لكنّ الأمور لا تقف عند هذا الحد. فما لا يقوله أهل الوصاية الجديدة علناً، يبعثون به على شكل رسائل شديدة الوضوح، إذ تريد واشنطن والرياض أن يثبت الحكم الجديد في لبنان قدرته على تحويل حزب الله إلى طرف غير قادر على تعطيل أي قرار سياسي كبير، وأن العاصمتين ستدعمان أي خطة لفرض مزيد من الحصار على الحزب وإضعاف موقفه، وأن أي دعم مالي أو سياسي أو عسكري لن يأتي من خارج سياق استكمال معركة ضرب حزب الله بصورة تامة.

 

وبحسب الزوار أنفسهم، فإن إسرائيل من جهة، والوصييْن الأميركي والسعودي من جهة ثانية، أجروا مراجعة لمئة يوم بعد وقف إطلاق النار، وتبيّن لهم أن المؤشرات ليست إيجابية في شأن خطة عزل حزب الله.

 

فقد فشلت محاولة إبعاده عن الحكومة، وبعكس ما هو متوقّع، يؤكد الرئيسان عون وسلام أن الحزب يتعامل معهما بإيجابية ويلتزم بما هو مطلوب منه لتنفيذ القرار 1701 جنوب نهر الليطاني، ولم يبادر إلى أي عمل عسكري ضد العدو رغم استمرار الاحتلال والعدوان.

 

وإلى ذلك، تلقّى الأميركيون والسعوديون باستغراب كيفية تعامل الحزب مع التوترات الداخلية، وسمعوا من جهات لبنانية خبيرة بحزب الله أنه لم يكن فعلياً خلف التحركات الشعبية التي حصلت على طريق المطار.

 

لكن ما أفاض الكأس، كان التشييع الكبير للشهيد السيد حسن نصرالله، إذ تلقّى الجميع الأمر على شكل رسالة قوية، إلى الداخل والخارج، لا تعبّر عن واقع شعبية الحزب فحسب، بل تشير إلى متانة وضعه التنظيمي وقدرته على التحشيد من جهة، وإلى قدراته القيادية التي أتاحت تنظيم حشد هو الأضخم في تاريخ لبنان الحديث.

 

ما سبق يدفع الوصييْن الأميركي والسعودي إلى طلب المزيد من أتباعهما في لبنان، ويرجّح أن يكون على شكل مزيد من خطوات الحصار على الحزب لمنعه من استقدام أموال لعملية إعادة الإعمار، وتعزيز الإجراءات التي تعرقل تواصله مع إيران وحتى مع العراق، والشروع في خطوات تهدف إلى محاصرة «دورة العمل المالية» الخاصة بالحزب داخلياً.

 

لكنّ الأهم، كما تشير مداولات «أتباع الوصاية»، يتعلق بالتحضير لإطلاق حملة سياسية مبكرة تهدف إلى خلق مزاج عام في كل لبنان، يعتبر الحزب مصدر خطر على مستقبل لبنان وازدهاره، من خلال رفع شعار «نزع السلاح لضمان رفع الحصار»، بالتزامن مع محاولة بناء تحالف سياسي يجمع كل القوى والشخصيات الخاضعة للوصاية الأميركية – السعودية، تمهيداً لخوض الانتخابات البلدية ثم النيابية، بغية تحقيق نتائج تظهر حزب الله عاجزاً عن الاحتفاظ بتمثيله الحالي، بلدياً ونيابياً.

وإذا كان الغرب وعربه يربطون دعمهم للبنان بالانتخابات النيابية المقبلة، فهذا يعيدنا من جديد إلى السؤال الملحّ: من قال إن أولوية إعادة الإعمار يجب أن تبقى رهن ما يريده الأميركيون والسعوديون؟

 

هذا التحدّي سيكون عنوان المرحلة المقبلة، خصوصاً أن محاولة ربط الإعمار بأي خطوات أخرى، سياسية أو إصلاحية أو أمنية، هي محاولة للمسّ بالسلم الأهلي، إذ كيف يستقيم لسلطة أن تبتزّ شعبها، وأن تمنعه من إعمار ممتلكاته بيده، ثم ترفض مساعدته في هذه الورشة…

 

وهل في لبنان من يصدّق فعلاً أن المقاومة ستترك القرى والمنازل مدمّرة حتى يرضى عنا الوصيان الأميركي والسعودي؟

 

والأهم من كل ذلك، كيف لهذه السلطة أن تمنع النقاش حول وجود قدرات مالية للمساهمة في هذه المهمة الوطنية، وهي أموال لا تكلّف الدولة اللبنانية أي نوع من الأعباء، ولن تؤثّر لا على سعر الصرف وعلى نسبة العجز في الموازنة، بينما سيكون لها أثرها الكبير في إطلاق عجلة اقتصادية كبيرة، تشمل كل القطاعات المنخرطة في الإعمار؟

You might also like