هل تؤسس نتائج زحلة البلدية لتعاون مستقبلي بين «القوات» و«التيار»؟ جوزف القصيفي (الجمهورية)

بعد انتخابات زحلة البلدية وما شابها من تفسيرات وتأويلات حول النتائج والفارق الكبير في الأصوات الذي شكّلته «القوات اللبنانية» منفردة، واللائحة المدعومة من العائلات ومن نائب حالي، وآخر سابق، ووزير أسبق، وحزب «الوطنيين الاحرار» إضافة إلى «الثنائي الشيعي» وقوى سنّية وازنة، لا بدّ من التوقف عند دلالاتها التي تتجاوز تخوم هذه المدينة المسماة عروس البقاع، والتي تعدّ أكبر عاصمة كاثوليكية في الشرق، إلى ما هو أبعد من ذلك.

صحيحٌ أنّ الفارق بين اللائحة الفائزة وتلك الخاسرة كبير إلى درجة لا يمكن ردمها بسهولة في ما لو قرّر «التيار الوطني الحر» التصويت إلى جانب لائحة اسعد زغيب. وبصرف النظر عمّا أُشيع عن صفقة سياسية تمّت عشية الانتخابات بين «التيار» و»القوات» قضت بعدم تمكين زغيب من أصوات الأول الذي نام على فرضية أنّ لا مفرّ له من الاقتراع للائحته على قاعدة: «عدو خصمي حليفي ولو أبى». لكن هذه اللغة لم تمش مع جبران باسيل الذي كان صريحاً في كلامه، ومتواضعاً في توصيف قوة تياره في زحلة، عندما قال إنّه ثاني قوة بعد «القوات» ولو بفارق واسع، معترفاً بأنّ على تياره أن يعمل لتقليص الفارق ومحاولة ردم الهوة الكبيرة.

زحلة تختلف عن كسروان وجبيل. وقد أكّد ذلك تصويت أهلها بالسياسة، بعدما وضعوا الاعتبارات الإنمائية والخدمية وصلات النسب والقربى جانباً. لائحة زغيب تتهم «القوات اللبنانية» باللعب على الوتر الطائفي، لأنّ هذا الوتر يلقى هوى في نفس الناخب الزحلي الذي يستميله الخطاب العالي النبرة الذي يشدّ العصب، ويطرب لرنين الأجراس عندما تقرع لتؤذن أنّ «الخطر عالباب». هذا الخطر المزعوم يتلاشى ويختفي مع انتهاء اليوم الانتخابي الطويل وإقفال الصناديق وبدء فرز الأصوات. إنّ هذه الظاهرة غير صحية بلا شك، ولكنها تمثل الواقع الذي لا يجب إنكاره، بل العمل على تجاوزه. وليس صحيحاً أنّ الإقبال الماروني كان حاسماً في فوز لائحة «القوات»، فالكاثوليك وهم القوة الانتخابية الأولى عدداً لم تكن أقل سخاء، وخذلت زغيب من حيث لم ينتظر ويحتسب، عدا السريان وسائر أقلام الأقليات المسيحية.

أزاح باسيل بموقفه كأس الهزيمة عن شفتيه، تاركاً للكتائب والأحرار، والنائب ميشال ضاهر تجرّعه، لأنّه كان يعرف سلفاً انّها ستكون معركة خاسرة، خصوصاً بعدما قرّر عدم اعتماد نهج المكاسرة والتحدّي مع خصومه بسبب الانتخابات البلدية والاختيارية.

ولكن لا بدّ من ملاحظات على هامش الانتخابات البلدية في زحلة:

– بَالغ إعلام «القوات» في تصوير «الثنائي الشيعي» وكأنّه مصدر خطر حقيقي يهدّد بسقوط المدينة في قبضة حلفائه، في حين أنّ هذا الأمر غير دقيق، لأنّ نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أظهرت أنّ «القوات اللبنانية» تمتلك رصيداً كبيراً يمكنها من حسم كل الاستحقاقات لمصلحتها.

– «القوات اللبنانية» كانت قد عقدت في جبل لبنان والشمال وايضاً في مناطق بقاعية، تحالفات بلدية ظرفية، على أنّها في العاصمة بيروت خاضت المعركة إلى جانب «الثنائي» تحت شعار «الحفاظ على المناصفة»، وربما ستشهد البلدات المسيحية في الجنوب تحالفات «ينفخت» فيها «الدف ويتفرّق العشاق»، فيكون «الشريك السيادي» في موقع و«القوات» في موقع.

– لا ينكر أحد دقّة «الماكينة» الانتخابية القواتية وفعاليتها، وهي لم تعدّ في حاجة إلى دليل، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في العام 2022. وهي تذكّر بـ«الماكينة الكتائبية» التي شاع أمرها في ستينات القرن المنصرم، والتي تميّزت عن سواها بسرعة التحرّك، والإحاطة بالأرض، والإحصاء الدقيق، والبراعة في تأمين نقل الناخبين ذهاباً وإياباً إلى بلداتهم وقراهم.

ـ أظهرت الانتخابات البلدية أنّ هناك قوتين متنافرتين في السياسة، متباعدتين في العقيدة، تستقطبان الفئات العمرية الشابة في طائفتيهما وهما «حزب الله» و«القوات اللبنانية». وهذا الاعتراف بالواقع لدى الطرفين بعيداً من لغة التحّدي، قد يفتح الباب أمام تطورات إيجابية تساعد في تجاوز الأزمة. ولكن السؤال الأبرز والمشروع: هل يؤسس التقاطع الآني بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» إلى تعاون بمقاربة مختلفة؟ اما ما هي غاية هذا التعاون ومن هي الجهة المستهدفة منه، حال حصوله فمن المبكر التكهن؟ وتبقى كل الاحتمالات واردة.

 

You might also like