بتاريخ ٢٠٢٣/٧/٦ صدرَ بيان مشترك عن النواب الأربعة لحاكم المصرف المركزي، خلصوا فيه الى أنّهُ في حال عدم تعيين حاكماً لهُ قبل انتهاء ولاية الحاكم الحالي، سوفَ يضطرون إلى اتخاذ الإجراء الذين يرونهُ مناسباً للمصلحة العامة، في دلالة واضحة منهم على خطوة الاستقالة الجماعية، كما أكّدت على ذلك العديد من الوسائل الاعلامية المتابِعة لهذا الملف.
وعلى الرغم من أهمية دعوة نواب الحاكم إلى تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، شريطةَ أن يكون ممن يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والجدارة والإختصاص، إلاَّ أنَّ تهديدهم بالاستقالة بذريعة المصلحة العامة، يدفعنا الى التساؤل عن مدى حقهم قانوناً في الشروع بهذا الخطوة الجماعية وخاصةً في حال الشغور بمنصِب الحاكم.
في الحقيقة أنَّ القانون الناظم للمصرف المركزي يتضمن جواباً على هذا الأمر. إذ أنَّ المادة ٢٤ منهُ اشترطت لصحة الاستقالة لنواب الحاكم موافقة الحكومة عليها، بصفتها سلطة التعيين، شأنهم في ذلك شأن الحاكم نفسهُ، حيثُ نصّت تلكَ المادة القانونية على ما حرفيّتهُ: “بحال انتهاء خدمات الحاكم أو نائبي الحاكم لعجز صحي مثبت بحسب الاصول، أو لاستقالة مقبولة من الحكومة، أو لعدم تجديد الولاية، أو بحال الوفاة، يدفع لهم أو لورثتهم تعويض مساو لرواتبهم عن سنتين”.
وعليه، وعطفاً على ما تقدَّم، نفيد قانوناً بما يلي:
١- انَّ استقالة نواب الحاكم، في حال حصولها، لا يمكن أن تنتج مفعولها قانوناً في حال عدم موافقة مجلس الوزراء عليها، بكَون نفاذها معلّقاً على توافر شرط وجوبي وهوَ موافقة الحكومة عليها، بما يعني عدم ترتيبها إلى أي أثر قانوني على الإطلاق، قبل صدور مرسوم حكومي بقبولها صراحةً وتُعتبَر بالنتيجة كأنها لم تكُن في حال رفضها حكومياً وهو ما يؤول حُكماً إلى اعتبارهم بنظر القانون مستمرينَ في إشغال منصبهم، طالما لم تتَّخذ السلطة التنفيذية موقفاً خطياً صريحاً بقبول استقالتهم، مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات قانونية على عاتقهم في حال التخلُّف عن متابعة القيام بالمهام الملقاة عليهم، حال تصرُّم أجل ولاية الحاكم الحالي وذلكَ لأنّهُ يقع عليهم موجب الاستمرار في أداء عملهم، حتى صدور القرار بقبول الاستقالة.
٢- انَّ نواب الأربعة للحاكم يُعتبَرون بحكم القانون مسؤولين عن متابعة شؤون المصرف المركزي، كلٌّ ضمنَ حدود صلاحياتهِ واختصاصاتهِ، وسيما أنَّ ادارة هذا المصرف لا تنحصر بالحاكم وحده، بل بهم أيضاً، بحكم عضويتهم جميعاً في المجلس المركزي لمصرف لبنان، سنداً في ذلك لأحكام المادة ١٧ من القانون الآنف الذِكر والتي تنص صراحةً على أنَّ: “تُؤمَن إدارة “المصرف” من حاكم يعاونهُ نائب حاكم أول ونائب حاكم ثانٍ ونائب حاكم ثالث ونائب حاكم رابع ومن مجلس مركزي يدعى فيما يلي “المجلس”.
٣- انَّ الغاية القانونية من تعيين نواب للحاكم هي حلولهم على التوالي بصورة متتابعة حلولاً قانونياً محلّهُ في منصبه، بمجرد شغور هذا المنصِب ولأيِّ علّةٍ كانت، وبالتالي فإنَّ استقالتهم في حال خلو ذلكَ المنصِب يخالف، بصورة لا تأتلف من المنطق القانوني، الغاية الأساسية التي من أجلِها تم تعيينهم في مصرف لبنان.
٤- انَّ استقالة النواب الأربعة للحاكم لعدم تعيين بدليل محلّهُ في المصرف المركزي، تضرب حينها مبدأ استمرارية المرفق العام، فقظ جاءَ تعيينهم كنوابٍ لهُ لضمان الحفاظ في حال الشغور على تلكَ الاستمرارية في هذا المرفق الحيوي الهام.
وما تعيين أربعة نواب لهذا الأخير، وبعيداً عن اشباع المحاصصات الطائفية، سوى أبلغ دليل مَن المشترع على تأمين تشغيل العمل بانتظامٍ واطراد في ذلك المصرف، وعدم حصول زعزعة فيه، لمجرد شغور مركز الحاكم، بحيثُ تتأمن استمرارية العمل في مركز الحاكم عبرَ النائب الأول لهُ أو الثاني حال حصول عارض ما للأول حالَ دون قيامه بمهامه الوظيفية، أو للثالث والرابع، حال توافر وحدة العلَّة المشار اليها.
٥- انَّ الاستقالة الجماعية لنواب الحاكم في ظل شغور منصب الحاكم، لا تصبُ اطلاقاً في خدمة المصلحة العامة، كما جاءَ بيانهم، بل تزيد الطين بلّةً، لكونها حينها لا تترك ذلكَ المرفق العمومي بلا رأس إداري فحسب، وإنما أيضاً بلا أذرع إدارية، لحُسن سير ادارته بالحد الأدنى.
٦- إنَّ نواب الحاكم يتقاضون مخصَّصات ومنافع مالية كبيرة، وكل ذلكَ من أجل الاضطلاع بمهمتهم الاساسية حال شغور منصب الحاكم، وعليهم بالنتيجة تحمّل مسؤولياتهم الوظيفية حين حدوث الشغور وذلكَ عملاً بمقتضيات مبدأ الغُرمِ بالغُنمِ وإلاَّ الأجدى إلغاء كلياً منصب نواب الحاكم، لاستنزافه المال العام، دونَ جدوى.
٧- إذا كان للموظف أو لمتولي الإدارة العمومية، الحق في طلب الاستقالة من وظيفته، إلا أنّهُ لا يحق له بالتأكيد المغادرة والتخلي عن أداء واجباته الوظيفية فجأةً، ساعةَ يشاء وكما يشاءَ وبدون إجراءات، وخاصةً أنَّ ممارسة هذا الحق يقتضي أن تكون مشروعة ومناسبة في توقيتها، بحيثُ لا يتأثر بها المرفق العام، وهو ما يعني عدم حق الاستقالة من الوظيفة في ظروف غير مؤاتية وخاصةً متى ما كانَ من شأنها إلحاق الضرر بالصالح العام، فتُعدَ حينها بمثابة الخطوة الضارة التعسفية وخطأً مهنيًا جسيمًا ناتج عن الإهمال المتعمِد للوظيفة وفي ظروف حرِجة تمر بها، وهو تماماً حال خطوة النواب الأربعة للحاكم، إذا ما ثابروا على حصولها والذين يهَوِّلونَ بها في بيانهم “المبتور قانوناً” والذي نأمل أن لا يكون الهدف منه مجرّد الضغط والتهويل على الحكومة، لدفعها باتجاه اعادة التجديد للحاكم الحالي وخاصةً في ظل خلو بيانهم صراحةً من مصطلح تعيين حاكم “بديل أو جديد” واقتصارهِ على ضرورة تعيين حاكم فقط.
٨- إنَّ المسؤولية حال شغور منصب الحاكم تقع في المقام الأول على النائب الأول لهُ، وبالتالي إنَّ تمنّعهِ عمداً عن القيام بمهام الحاكم حينها ولحين تعيين بدليل، يُشكِّل ذلكَ انتهاكاً صارخاً لأحكام المادة ٢٥ من القانون السالف الذِكر والتي نصّت صراحةً على أنّهُ: “بحال شغور منصب الحاكم، يتولّى نائب الحاكم الاول مهام الحاكم ريثما يُعيّن حاكم جديد”.
هؤلاء الذين يتحفوننا ببيانهم اليوم بالاستقالة حفاظاً على المصلحة العامة، أين كانت مواقفهم وبياناتهم عندما سُرِقت ودائع الناس وهُدِرَت عشرات مليارات الدولارت في مصرف لبنان الموجودين فيه؟!
منسِّق الدائرة القانونية لروّاد العدالة