بعد شهرين ونصف شهر على إعلان القائمين على صحيفة «نداء الوطن» وقف النسخة الورقية منها ومواصلة الصدور إلكترونياً، أبلغت إدارة الصحيفة العاملين فيها أمس أن الجمعة المقبل، هو آخر يوم للعمل، مع قرار وقف النسخة الإلكترونية.وجاء في رسالة موقّعة من المدير العام رجا الراسي، تلقّاها الموظفون صباح أمس، أنه «عطفاً على المداولات بين الإدارة وبينكم منذ فترة حول الظروف الاقتصادية التي حالت دون متابعة الجريدة لنشاطها (…) تتوجه الإدارة إليكم بكل أسف لتعلمكم بأن آخر يوم عمل هو بعد غد الجمعة»، وأنه «خلال أسبوعين، ستدعوكم الإدارة للحضور إلى مركزها لتسديد أجوركم وتعويضاتكم بما يتلاءم مع وضعها المالي».
لم يفاجئ القرار العاملين في المؤسسة، رغم أن بعضهم كان في أجواء «اتفاق سري» يجري العمل عليه لمواصلة الصدور، ما جعل ردة فعل هؤلاء تقتصر على معرفة حجم المستحقات والتعويضات التي سيحصلون عليها، خصوصاً بعد العبارة الملتبسة في بيان الراسي بأن الإدارة ستسدّد الأجور والتعويضات «بما يتلاءم مع وضعها المالي». علماً أن العاملين في الصحيفة تلقّوا خلال الشهرين الماضيين أقل عن 60% من قيمة رواتبهم. وتوقف بعضهم عن العمل، فيما التحق آخرون بمواقع إعلامية أخرى.
وعلمت «الأخبار» أن المفاوضات للاستمرار في إصدار «نداء الوطن» كانت تجري بسرية كبيرة، بطلب من الراسي الذي كان يفجّر غضبه في الموظفين لدى انتشار أي خبر يتعلق بصفقة البيع. وأوضحت المصادر أن الصحافيين الذين يقل عددهم عن 40 في الصحيفة، تواصلوا مع جهات نقابية معنية لخشيتهم من عدم حصولهم على تعويضاتهم وفقاً لقانون العمل، خصوصاً أن مالكي الصحيفة، عائلة الراحل ميشال مكتف، نفضوا أيديهم منها بداية العام الجاري.
وأطلق مكتف الجريدة عام 2019 لأهداف سياسية قبل أن تشهد تراجعاً كبيراً في الشكل والمضمون بعد وفاته عام 2022. ومذَّاك، عرض الراسي ورئيس التحرير بشارة شربل على مستثمرين ومموّلين سياسيين دعم الصحيفة، لكن محاولاتهما باءت بالفشل. ويخشى العاملون في الجريدة من ضياع تعويضاتهم، خصوصاً أن للراسي وشربل «سوابق» في إقفال مؤسسات إعلامية من دون دفع تعويضات. فمنذ إغلاق مكاتب جريدة «الحياة» السعودية التي كان يديرها الراسي وتوقّفت عن الصدور قبل أكثر من 5 سنوات، لم يتقاضَ المصروفون حتى اليوم تعويضاتهم. كذلك لشربل «سوابق» في إغلاق صحف ترأّس تحريرها، ومن دون تعويض موظفيها، من بينها «البلد».
مجموعة المر
وفي السياق، علمت «الأخبار» أن المفاوضات لبيع «نداء الوطن» شملت سياسيين ورجال أعمال، من بينهم نائب بيروت فؤاد مخزومي، قبل أن يوافق صاحب محطة MTV ميشال المر على شراء الرخصة، على أن يقرر هو متى يعاود إصدارها وفق خطته للتوسع الإعلامي. وتوضح المصادر بأن المرّ رفض الاستثمار في الجريدة بشكلها الحالي، خصوصاً أن لديه ملاحظات على أسماء بعض العاملين فيها، لذلك أصرّ على عقد صفقة منفصلة، بحيث تعلن الإدارة الحالية وقف الصدور وصرف العاملين، ليتسلّم الجريدة «نظيفة» من دون أن يكون في ذمتها أي دين مالي أو ارتباط وظيفي مع أحد. وتشير المصادر إلى أن المرّ يخطط لإعادة إطلاق «نداء الوطن» وفق آلية عمل جديدة، بما فيها خط تحريري مختلف وإدارة تحريرية وإدارية جديدة. كما أنه لن يكون وحيداً في المشروع، إذ سيشاركه في تمويل صدور «نداء الوطن» الجديدة رئيس مجلس إدارة مصرف SGBL أنطوان الصحناوي، علماً أن بين الطرفين شراكة في بعض الأعمال الإعلامية، من بينها تمويل برنامج «صار الوقت» الذي يقدّمه الإعلامي مارسيل غانم. وبحسب المعلومات، سينقل المرّ إدارة الجريدة إلى مبنى «استديو فيزيون» في منطقة النقاش، لتخضع لإدارة «مجموعة المر» التي أنهت ترتيبات إطلاق إذاعة سياسية من الفئة الأولى، باسم «مر أف. أم» (M.FM) في إطار سعيها إلى بناء «إمبراطورية إعلامية وإنتاجية».
الإدارة تحدّثت عن تعويضات غير مكتملة، والصحناوي «شريك صامت» في تمويل المشروع الجديد
نقابياً، أصدر نقيب المحررين الزميل جوزف القصيفي بياناً أمس أعلن فيه عن أسفه لإقفال «نداء الوطن»، لافتاً إلى أنه «رغم أن إدارة الجريدة دعت الموظفين العاملين فيها إلى الحضور لتسديد الرواتب والتعويضات، فإننا نتمنى أن تتناسب هذه التعويضات مع مقتضيات المرحلة الصعبة التي يمر بها العاملون، خصوصاً بعد تدنّي سعر صرف العملة اللبنانية وتآكل القيمة الفعلية للرواتب»، وأن تكون «المقارنة موضوعية بين ما كانت عليه الرواتب لدى انطلاقة الجريدة وواقعها اليوم»، مطالباً بـ«رفع قيمة التعويضات، واعتبار وقف العمل بمثابة صرف كيفي تضاف قيمته إلى التعويض».
الحبتور: مزحة ثقيلة الدم!
في خطوة لم تكن مفاجئة، أصدرت مجموعة رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور أمس بياناً من مكتبها في دبي، أعلنت فيه «تعليق» مشروع لإطلاق قناة تلفزيونية من لبنان. وجاء في البيان أن المجموعة تعلن «بأسف شديد عن إلغاء خططها لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة من لبنان، كان من المنتظر أن تبث برامج ثقافية، اجتماعية ورياضية تهدف إلى نشر الإيجابية والأمل بين الشعوب. وقد جاء هذا القرار نتيجة للتحديات الأمنية التي واجهت المشروع، بما في ذلك التهديدات الجسدية التي تعرّض لها المؤسس والموظفون، ما يجعل الاستمرار في لبنان غير ممكن». وأشار البيان إلى تعرّض المجموعة لما أسماه «الهجمات الممنهجة ضد المجموعة التي تلت إعلان المشروع، شملت سلسلة من الاتهامات والافتراءات وحملات التخوين والتهديدات. ونتيجة لذلك، تقدّمت مجموعة الحبتور بشكاوى جزائية ومدنية في لبنان وخارجه ضد بعض المتورطين في هذه الحملات والتهديدات».
وقال البيان إن المشروع «واجه عقبات جمّة تجاوزت ما يمكن تحمّله بما يخص سلامة فريقنا وأمنه. وبعد دراسة متأنية، وفي ظل غياب الاستقرار الأمني المطلوب لأي استثمار، وجدنا أنفسنا مضطرين لإيجاد بديل عن لبنان»، شاكراً «من سعى لدعم تحقيق المشروع، وفي مقدّمتهم وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري».
وجاء بيان الحبتور، في وقت كان مكاري قد أعدّ مشروع مرسوم لعرضه على مجلس الوزراء لمنح الحبتور إجازة استئجار قناة تلفزيونية لبنانية لإعادة بث إنتاج تلفزيوني غير سياسي. وتضمّن مشروع المرسوم طلب المجموعة الإماراتية إطلاق قناة «POSITIVE.TV» ومنحها رخص اعتماد العمل في لبنان، مع توضيحات بأن القناة لن تتعاطى الأمور السياسية، وستقتصر برامجها على القضايا الفنية والاجتماعية والترفيهية.
وبحسب متابعين للملف، فإن فكرة الحبتور لم تكن مكتملة يوماً منذ بدء الحديث عنها، وإن الرجل بالغ في الحديث عن «مشروع إنتاجي ضخم» سينافس فيه الشبكة السعودية «MBC»، وإن ما تذرّع به من تعرّض لانتقادات أو حملات ليس سوى تعليقات كانت متوقّعة من قبل جهات تعرف طريقة عمل الرجل، وكون ما عرضه كان أقرب إلى مزحة ثقيلة الدم منه إلى مشروع إعلامي حقيقي.
وأسف الوزير مكاري للقرار. وقالت مصادر قريبة منه إنه كان يجب العمل على تشجيع الرجل على إطلاق قناة تتيح فرص عمل لمئات من الشباب اللبنانيين وتقيهم شر الهجرة، موضحة أن الوزير أجرى كل الاتصالات اللازمة لضمان حصول المجموعة على التسهيلات المطلوبة لإطلاق العمل.