من تحت الدلفة لتحت المزراب!

حبيب البستاني- 

اعتقد اللبنانيون لوهلة أن كل شيء انتهى وأن زمن الحروب والاعتداءات الإسرائيلية قد ولت إلى غير رجعة، وأنه وبالرغم من الخسائر المادية والبشرية وبالرغم من حجم الدمار الهائل الذي تجاوز تدمير أكثر من 90000 وحدة سكنية تدميراً كلياً أوجزئياً، تجاوزت كلفتها ال 4.5 مليار دولار للإعمار ووصول هذه التكلفة إلى أكثر من 9 مليار دولار لتشمل الخسائر التي تكبدها لبنان في البنى التحتية والمنازل والمؤسسات التجارية والصحية بالإضافة إلى استشهاد أكثر من 2300 شهيد وجرح أكثر من 10.000، إذن وبالرغم من هذا الحجم من الخسائر ارتضى اللبنانيون ذلك، آملين أن تكون ضريبة الدم هذه ثمناً لعودة البلد إلى الطمأنينة والحياة الطبيعية. ولكن وبعد فترة لا بأس بها من إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 26 نوفمبر2024 ودخول الاتفاق حيز التنفيذ في اليوم التالي، إلا أن هذه الحرب لم تتوقف وظلت الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان مستمرة بحجة أو بدون حجة. وبالرغم من تبؤ العماد جوزف عون مقاليد الرئاسة في 9 كانون الثاني 2025 ووصول نواف سلام إلى رئاسة الحكومة وتشكيله الحكومة في 8 فبراير 2025 إلا أن البلاد ومشاكلها بقيت مكانك راوح، وبقيت كل المشاكل بدون رؤية جدية للحلول، فالحكومة التي كان من المنتظر أن تحمل مشاريع إصلاحية للإنقاذ جاهزة للتطبيق إذ بنا نتبين أن هذه الحكومة تحمل الإنقاذ والإصلاح في العنوان لا أكثر ولا أقل. وإذا كانت الحكومة قد سميت بالإنقاذ والإصلاح إلا أنها لم تزل بعيدة عن تنفيذ هذا الشعار، ولقد تعود الناس على الشعارات الكبيرة والعناوين البراقة التي لا تلبث أن تختفي بعد فترة وجيزة من إعلانها.

حروب الحكومة الدونكيشوتية
لقد ابتدعت الحكومة لنفسها أعداء وهميين تماماً كما في قصة ميغيل دو سيرفانتيس التي راح فيها دونكيشوت يحارب طواحين الهواء الذي لم يجد له أعداء سواها، إذ إنها وفي جلسة الثقة لم ينتظر رئيسها نيل الثقة بصورة رسمية حتى قام بفتح النار على واحد من أكبر زعماء التيارات المسيحية في المجلس عنينا به الوزير جبران باسيل، فدولته لا يريد أياً من المعارضين له وهو بالرغم من سعة علمه وشهاداته العليا لم يستوعب اللعبة الديمقراطية داخل قاعة البرلمان، ولم يفهم أن الممارسة الديمقراطية الحقيقية تستوجب وجود موالاة ومعارضة في آن معاً. لقد خطى رئيس الحكمومة أولى دعساته الناقصة إبان تشكيل الحكومة، حيث اعتقد أن منظمة كلنا إرادة المولجة بدعمه هي وحدها الكفيل بنجاحه ونسي أن هذه المنظمة مسؤولة عما أصاب البلد في ما سمي بثورة 17 تشرين التي لم تكن إلا حركة تابعة للخارج مع أمر مهمة وحيد يقضي بإفشال عهد فخامة الرئيس ميشال عون حتى لو أدى ذلك إلى خراب البلد عن بكرة أبيه، وأكبر دليل على ذلك هو الأزمة المالية التي ضربت البلد وأفقرت الناس مباشرة بعد أحداث 17 تشرين. وحتى كتابة هذه السطور فإن حكومة الإصلاح والإنقاذ لم تقم بأي إصلاح ولم تقم بأية عملية إنقاذ لا سيما إنقاذ ودائع الناس وجنى عمرهم. حتى إنها لم تقم برسم خارطة طريق واضحة للسير عليها بل هي تكتفي بإعلان فتوحات وهمية كإنجاز التعيينات وغيرها، وعلى سيرة التعيينات فهي لم تنجز وبالكاد التعيينات الأمنية وهي تنتظر كلمة السر لإنجاز تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، عسى السفير جان إيف لودريان القادم إلينا يحمل في جعبته الإسم.

بين سندان الحرب ومطرقة التطبيع
لم ينفع كل الدعم الذي يتمتع به الحكم من ردع إسرائيل وإجبار آلتها العسكرية بالكف عن قصف لبنان من الجنوب وصولاً إلى حوش السيد علي البلدة الهرملية على الحدود السورية، وكأن هناك تناغم بين ما تقوم ميليشيات السلطة السورية أو الخارجين عنها لا فرق وبين العدو الإسرائيلي، فإسرائيل والميليشيات السورية تتبع مبدأ “ضربة منك ضربة مني” إلى أن يتم إنهاك الدولة اللبنانية وجيشها بحجة ان هنالك خرقاً لوقف إطلاق النار وهنالك خرقاً لل 1701، والجميع يعلم وإسرائيل أول العارفين مع ما تملك من وسائل استطلاع وتجسس أنه لا المقاومة ولا لبنان هم من قاموا بإطلاق الصواريخ على مستعمرة المطلة، بل إن من قام بذلك هو معروف الهوى والهوية وهو بالتأكيد يعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي، وما أكثر هؤلاء في لبنان من اللاجئين وبعض المجموعات النازحة التي تأتمر بالعدو ومخابراته. من هنا ومن دون لف ودوران فإسرائيل ستستمر بضرب لبنان واستهداف سلمه الأهلي ومنشآته بحجة وبدون حجة، لا مطلب لها سوى التطبيع، ومن أولى مطالب التطبيع هو إنشاء لجنة لبنانية مدنية أي سياسية وليست عسكرية تقوم بإجراء المفاوضات مع لجنة سياسية إسرائيلية بعيداً عن العسكر، وإلا فإن العدو لن ينسحب من النقاط الخمس ومن الأراضي اللبنانية المحتلة. وهكذا نرى أننا في ظل حكومة الإصلاح والإنقاذ انتقلنا من تحت الدلفة لتحت المزراب، حمى الله لبنان.
كاتب سياسي*

You might also like