الأخبار: علي حيدر-
يتصدر الخطاب السياسي لخصوم المقاومة في الداخل اللبناني، التركيز على وضع جدول زمني لتسليم سلاح المقاومة، والترويج لمقولة العدو بأن اتفاق وقف الأعمال العدائية لا يميز بين جنوب الليطاني وشماله، وأنه في حال لم تُتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه، ستواصل إسرائيل عمليات الاغتيال وتذهب إلى ما هو أبعد من الوتيرة التي نشهدها حتى الآن. ولا يُخفي هؤلاء نياتهم بزجّ الجيش اللبناني في صراع عسكري مباشر مع المقاومة!
يتعامل خصوم المقاومة وأعداؤها في الداخل مع المتغيرات الإقليمية والداخلية على أنها فرصة تاريخية وإستراتيجية لشطبها من المعادلة اللبنانية، ينبغي استثمارها حتى النفس الأخير.
ويعكس أداؤهم كما لو أنهم في سباق مع الوقت لإلحاق لبنان بالمحور الأميركي – الإسرائيلي بشكل تام ونهائي.
وتعكس حملاتهم السياسية والإعلامية لوضع جدول زمني لتسليم المقاومة سلاحها مخاوفهم من أن أي صيغة بديلة عن تسليم السلاح (الذي لن يتحقق) ستؤدي إلى تعزيز أحد أهم عوامل القوة التي يفتقر إليها لبنان.
ويؤشر هذا الإلحاح أيضاً إلى وجود مخاوف من أي متغيرات قد تبدّد الفرص المتاحة حالياً، وتُجهض رهانات المتربصين بالمقاومة. ومن الطبيعي أن يشهد هذا الخطاب تصعيداً إضافياً بعد الزيارة الأخيرة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس.
لم يعد مفاجئاً ولا غريباً أن تتبنى جماعات وقيادات المنطق الإسرائيلي وخطابه بحذافيره في مواجهة المقاومة. لكن الضرورات تفرض تغليفه بأن مصلحة لبنان تقتضي الخضوع لمطالب عدوه!
ومن ضمن التماهي مع خطاب العدو، في هذه المرحلة، محاولة تبني مقولته بأن الترتيبات التي تم الاتفاق عليها حول جنوب الليطاني تنسحب على شماله، أي بعبارة أخرى، تحقيق الهدف الإستراتيجي للحرب.
ولم يستجدّ هذا التماهي بعد الحرب الأخيرة، بل كان مواكباً لمجمل مراحل الصراع مع العدو في العقود الأخيرة تحديداً، وهو يرتقي إلى حد التطابق في التحليل والمفردات وحتى الأولويات في الساحة اللبنانية، كما هو قائم الآن.
ما لا يقل أهمية أن هذا المعطى يحضر بقوة لدى قيادة العدو ويولّد رهانات تجددت في أعقاب المتغيرات الأخيرة. وهو أمر يتردد في الخطابين السياسي والإعلامي الإسرائيليين بالحديث عن ضرورة نزع الدولة اللبنانية لسلاح المقاومة. وتم التمهيد لهذا الخطاب خلال الحرب عندما «ناشد» نتنياهو بعض اللبنانيين الانتفاض على حزب الله.
مع ذلك، يواجه هذا الفريق تحدي الإجابة عن سؤال: كيف يمكن الوصول إلى مرحلة إنهاء المقاومة في لبنان؟
ولذلك، لا يخفي رهانه على الضغط الأميركي – الإسرائيلي عبر مواصلة الاعتداءات وتكثيفها، وربط عدد من الاستحقاقات بسلاح المقاومة، وصولاً إلى مطالبة بعضهم بزج الجيش في مواجهتها، وكل ذلك تحت عنوان «المصالح الوطنية اللبنانية».
أما الوصفة السحرية التي يطرحها هذا المعسكر، فهي أن نربح أميركا كي تخرج إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة! ويعكس هذا الشعار هشاشة المنطق الذي يستند إليه هؤلاء، ويؤكد أنهم يدركون بأنهم يفتقرون في خطابهم إلى وقائع وتجارب تعزز هذا المنطق، بل إن تاريخ الصراع مع إسرائيل يؤكد خلافه.
كما يتجاهلون حقيقة أن السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة هي سياسة إسرائيلية بالدرجة الأولى.
بعبارة أخرى، هم يتماهون تماماً مع جبهة واشنطن – تل أبيب، والحد الأقصى في خطابهم هو مواجهة إسرائيل بتلبية مطالبها وتمهيد الطريق أمامها لإطباق هيمنتها على لبنان.
في المقابل، المنطق الذي تستند إليه المقاومة هو حاجة لبنان إلى مراكمة عوامل القوة بكل أنواعها، أمنية وإستراتيجية ووجودية، وأن ظروفه التكوينية في الجغرافيا الديمغرافيا والإمكانات وفي ظل مجاورته لفلسطين المحتلة، وتموضعه في منطقة تتسم بالعواصف الإقليمية المتسارعة، تجعل حاجته إلى المقاومة شرط بقاء.
في الخلاصة، رغم الحضور الإعلامي والسياسي البارز للمعسكر الذي يتبنى الخطاب الأميركي الإسرائيلي، يستند منطق المقاومة وأهلها إلى الواقع والتجربة.
وهي لن تسمح بالمغامرة بمستقبل لبنان عبر تبني خيارات تحاكي أولويات ومطالب عدوه الذي لا يخفي أطماعه ومخططاته إزاءه.
وما لا يستطيع كل الآخرين تجاوزه أو تجاهله، هو أن للمقاومة أيضاً قاعدة اجتماعية واسعة وصلبة مدركة للمخاطر المحدقة بلبنان. لذلك، رغم حدة الخطاب المعادي وغزارته، هناك هوة واسعة تفصل بين ما يأمله هؤلاء وما يمكن تحقيقه، ولن يطول الوقت قبل أن تنجلي هذه الحقيقة.