محمد وهبة –
قرّر مجلس الوزراء متابعة البحث في مشروع القانون المرفوع من وزير المال ياسين جابر بشأن «إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها»، في الجلسة المقبلة، على أن يقدّم الوزراء ملاحظاتهم مكتوبة للجنة الخبراء التي أعدّت المشروع في وزارة المال، ليصار إلى تحديد نقاط الخلاف.
فقد استحكم النقاش في جلسة أمس بين وجهتين: الأولى تشير إلى ضرورة إقرار مشروع القانون كما هو سريعاً، وفقاً لطلب صندوق النقد الدولي، على أن تليه قوانين أخرى بشأن توزيع الخسائر والكابيتال كونترول.
والثانية تشير إلى أنه لا قيمة فعلية لهذا القانون إذا تعامل مع الخسائر كأنها غير موجودة، وبالتالي يجب إقراره بالتوازي مع إقرار القوانين الأخرى. لذا، اتّفق الجميع على إقراره بعد الأخذ بملاحظات الوزراء وبعد تعديل المادة 37 المتعلقة بمدّة سريان القانون ليكون نافذاً عند إقرار سائر القوانين المرتبطة به.
أمس كان النقاش في مشروع القانون، كما في الجلسة السابقة، أي في المسألة المتعلقة بالفصل بين مسألة معالجة أوضاع المصارف وتصنيف من كان قادراً منها على الاستمرار، عن مسألة الخسائر التي تتركّز في ميزانيات المصارف التجارية ومصرف لبنان، وعن مشروع قانون الكابيتال كونترول. وهذا النقاش، ليس مستجداً، إنما كانت الحكومة السابقة قد تمكّنت من تجاوزه عبر توحيد كل هذه القوانين في مشروع واحد يبرّر كل التعديلات القانونية التي ستطرأ على قانون النقد والتسليف وقانون عام 1991 وقانون 2/67.في الواقع، ثمة رأي وازن يشير إلى أن ما يقدّمه المشروع المطروح على طاولة مجلس الوزراء، ليس سوى نسخة محدّثة من القوانين الموجودة أصلاً لمعالجة الإخفاقات المصرفية، والتي تنيط بالهيئة المصرفية العليا بوصفها لجنة قضائية مالية، التعامل مع التعثّر المصرفي، وتتيح للجنة الرقابة على المصارف مراقبة تطبيق قرارات الهيئة.
لذا، إن إقرار قانون جديد لا يتعامل مع الخسائر التي تمتد من ميزانيات المصارف إلى ميزانية مصرف لبنان، يُعدّ مسألة مستغربة لتحديد من يستمرّ من المصارف والمترتبات الملقاة على أصحابها للاستمرار، ولتحديد مصير الودائع أيضاً.
توزيع الخسائر هو أمر مرادف لتوزيع المسؤوليات. لكن وسط غياب هذا المفهوم، حصلت تطورات أفرزت لوبيات صغيرة داخل اللوبيات الأكبر، سواء بين قوى السلطة أو بين المصارف، أو في ما بين الطرفين.
ففي داخل الجهاز المصرفي، سُجّل انقسام بين مؤيّد ومعارض لهذا المشروع الذي يقسّم مرحلة «الإصلاح» إلى اثنتين؛ في الأولى يتم التعامل مع توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان كأنها موجودة بقيمها الدفترية، ما يدفع لجنة الرقابة على المصارف إلى التعامل مع هذه المصارف وفق قواعد ومعايير الملاءة والرسملة.
ومن يجتاز المرحلة الأولى، يخضع للمرحلة الثانية، إذا أُقرّ القانون المتعلق بها، أي قانون إعادة التوازن المالي الذي سيحدّد حجم الخسائر لدى مصرف لبنان والمصارف وكيفية توزيعها.
المرحلة الأولى تكاد تكون واضحة للجميع، لكنّ المرحلة الثانية ضبابية جداً، رغم أن حجمها ومفاعيلها هي الأكبر، إذ ستضطر السلطة إلى معالجة أكثر من 80 مليار دولار من الودائع التي لا يمكن المصارف ردّها للزبائن، وستتعامل مع المبلغ بنفس الحجم تقريباً بين مصرف لبنان والمصارف. وكلّ هذا الأمر يحصل على أعتاب الانتخابات النيابية المقبلة والشعبوية التي ترافقها.
ويترتّب على أصحاب المصارف في هذه المرحلة أن يحدّدوا موقفهم من الاستمرار بضخّ الرساميل الجديدة، أو بالاستنكاف عن ذلك (وهنا سؤال أيضاً عن المسؤوليات المترتّبة عليهم).
لكن ليس السؤال الآن محصوراً بمن سيجرؤ على إعلان شطب الودائع بشتى الطرق المطروحة (تمليك المودعين أسهماً في المصارف، تمليكهم سندات خزينة صفرية أو دائمة، ردّ 100 ألف دولار من الوديعة فقط، شطب الفوائد الإضافية، فرض إظهار مصدر الأموال، تحويل جزء من الوديعة إلى ليرة لبنانية…)، فكل هذه الحلول تعني أن المودع أُخضع لشطب لوديعته بشكل مباشر أو غير مباشر. بل ما يثار اليوم بين المصارف يتعلق بمن هو قادر على تجاوز المرحلة الأولى، أو المرحلتين.
يقول مصرفيون، إن ثلاثة مصارف كبرى فقط، تتصرّف كأنها ستتجاوز المرحلة الأولى، وهي ترحّب بإقرار هذا المشروع. بينما ثمة مصارف عالقة في المنتصف أو على الحافة ولا سيما أن بعضها لديها شرائح من الودائع الصغيرة أكثر من غيرها بينما تطغى شرائح الودائع الأكبر على مصارف أخرى، وهناك مصارف ترغب في أن ترى الحجم النهائي للخسائر التي ستُلقى عليها لتقرّر إذا كانت راغبة في زيادة رساميلها والاستمرار أو لا.
وسط هذه الفوضى، تمكّنت رئيسة لجنة الرقابة على المصارف ميا دباغ، من فرض حضور وازن في الهيئة التي ستناط بها صلاحية اتخاذ قرار تصنيف المصارف في القانون الجديد.
أتى هذا الفرض بدعم مباشر من رئيس الحكومة نواف سلام، ليتيح للجنة أن تلعب دوراً وازناً في المرحلة الأولى. ويمكن تفسير هذا الدعم من باب التوازن الذي يسعى إليه سلام بعدما فشل في منع تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان.
طبعاً بين المصارف من يتهم السلطة بأنها ستحصل على المزيد من النفوذ من سطور هذا التعديل الجديد لحساب مجموعة المصارف الأكبر والأقلّ عدداً.
ويأتي هذا الاتهام في سياق إجراءات أخرى تخوضها اللجنة حالياً في القطاع المصرفي، إذ إنها تفرض تصنيف ديون متعثّرة في مراحل التخلّف عن السداد لإجبار المصارف على تكوين مؤونات عليها، رغم أن هذه الديون عليها ضمانات عقارية بقيم مخمّنة رسمياً بأعلى من قيمة الدين المتبقّي.
في الواقع، لم يكن تعامل اللجنة مع القطاع المصرفي، في سياق استراتيجية واضحة المعالم، بمقدار ما كان يسير وفق إيقاع فرضه الحاكم السابق رياض سلامة الذي حوّل اللجنة إلى أمانة سرّ تنفيذية له. واللجنة الآن، تريد تطوير دورها رغم أنه لم تظهر الحكومة أو حاكمية مصرف لبنان أو لجنة الرقابة أي استراتيجية واضحة للتعامل مع القطاع لا في المرحلة الآنية ولا في المستقبل، كما لم يطرأ أي تغيير على القانون الذي يرعى مهمتها الرقابية.
كل هذا النقاش، بخلفياته المكشوفة والمستورة، أفضى إلى تسوية أُقرّت أمس في مجلس الوزراء تقضي بأن يسلّم كل وزير ملاحظاته على مشروع القانون مكتوبة للجنة التي وضعت مشروع القانون في وزارة المال.
على أن يصار إلى تحديد نقاط الخلاف وعزلها عن ضرورة إقرار القانون المطلوب إقراره من صندوق النقد الدولي قبل اجتماعات الربيع التي تنطلق في 21 نيسان المقبل. «هذا الأمر سيتيح إجراء نقاش بعمق في هذا القانون وسائر القوانين.
نحن لا نعرف ما هو الوضع في المنطقة وننتظر يوم السبت المقبل حيث سيجتمع الأميركيون والإيرانيون وربما قد نشهد انفراجاً ما، وربما العكس. علينا أن ننتظر. أما النقاش التقني في مشروع القانون، فالتجربة واضحة أمامنا في السنوات الماضية التي لم تفض إلى أي تقدّم ولا سيما على أبواب الانتخابات النيابية» يقول أحد الوزراء.