أنطوان الأسمر
قدّم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مسودته الحكومية على جناح السرعة بعدما نزل الإلهام به في ساعات الليل الأولى على ما نُقل عنه الصول في أحد إجتماعاته البارزة، فأحرج نفسه بدل المُراد من مسودته، أي إحراج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي بادر في لقائهما الثاني الى تصويب النقاش. إذ قدّم عون ٣ إقتراحات لكي يدرسها ميقاتي: إما إبقاء الحكومة على حالها، أو إدخال تعديلات في المسودة لتصحيح المسار واعتماد منهجية واحدة ومعايير موحدة في المداورة، وإما إعتماد المسودة لكن مع توسيع الحكومة الى ٣٠ وزيرا بإضافة ٦ وزراء دولة.
في الأصل، لم يشكّ أحد من المعنيين بالتشكيل في أن ميقاتي المستعجل يريد أن يرمي مسودته في البازار السياسي ليسلشيء سوى ليزيح عنه أي تهمة بالمماطلة أو الرغبة في الإحتفاظ بميزات حكومة تصريف الأعمال باعتبارها الخيار الأكثر راحة وتناسبا واستنسابا متى حل الفراغ الرئاسي وتنكّب هو مهام رئيس الجمهورية بالوكالة.
إذن، الخيار الأفضل لميقاتي هو ضخ الحياة في حكومة تصريف الأعمال بالإتكاء على الـraison d’état، وهو ما فتئ يبشّر به لممارسة حكومية موسعة وفضفاضة لتصريف الأعمال بحيث يلجأ الى عقد جلسات حكومية والى الإرتكاز على الموافقات الإستثنائية متى تطلب الأمر ذلك. أما مهمته الأساس، أي التأليف، فتأتي في درجة ثانية ملحقة، بمعنى أن لا مانع من التأليف في حال نال التوقيع الرئاسي على التصور الحكومي الذي يريح ميقاتي ويبغيه على شاكلة المسوّدة- الفضيحة التي أتت بلا روح، فاقدة للمعايير والتوازنات. والأخطر من كل ذلك أنها اعتمدت مداورة مجتزأة، مشوَّهة ومشوِّهة، الهدف منها الإقتصاص من وزير الطاقة والمياه وليد فياض الذي لم يجاريه في مشاريعه الكهربائية الجاهزة وغب الطلب من القاهرة الى بغداد، ولا في مشاريعه الغازية من الدوحة الى باريس، تماما كما الإقتصاص من وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام الذي جاهر بطموحه فأقصاه ميقاتي بعدما تناهى اليه أن سلام بات في مرحلة اعادة توزيع وتقسيم للمكاتب في السرايا الحكومية.
أما الإتيان بالنائب السابق ياسين جابر الى وزارة المال، بالاتفاق الكامل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الراعي المحلي لميقاتي، فالغاية منه استعادة دور من كان له الأثر الفاعل في تحطيم خطة التعافي المالي التي وضعتها حكومة حسان دياب.
في هذا السياق، يتّضح من مسار الأمور ومآلها أن بري، بالتآلف والتكاتف والتعاضد مع ميقاتي، ماضٍ في خطة تصفية عهد الرئيس ميشال عون لأمرين: الإنتقام من عون نفسه ومِمّن وصفه الرئيس الثاني، وإجهاض فكرة الرئيس القوي بما يمكّن المنظومة القابضة على البلد منذ سنة ١٩٩٢ من استعادة تلك النوعية من رؤساء الجمهورية فاقدي الشعبية والغطاء السياسي، العارين من كل شيء سوى القدرة على التأقلم مع متطلبات الرئيس الوسطي وهي الـcode name للرئيس الضعيف الخاضِع، القابل بالتسويات، والراضخ لرُعاته.
وليس تفصيلاً أن تتلاقى المصلحة والرؤية على اغتيال عون سياسيا، وعلى إضعاف حضور المسيحيين في الحكومة من خلال استبعادهم عن وزارة أساسية واستراتيجية ربطا بملفيّ الترسيم البحري والنفط والغاز، وحشرهم في وزارة هامشية،المهجرين، لا حول لها ولا قوة، لا موازنة ولا حد أدنى من مقومات وزارة، الى جانب أن الشخصية المُنتقاة، النائب سجيع عطية، جزء لا يتجزأ من مشهد بري – ميقاتي، مُنح في ظرف قياسيّ منصب رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل ومن ثمّ لقب مرشّح وزير، على الأرجح تعويضاً عن الإنسحاب من السباق الى نيابة رئاسة البرلمان.
ولا يُخفى أن الدور الإستراتيجي لوزارة الطاقة والمياه يتعدى بأشواط ملف الكهرباء المهترئ، باعتبار أنها تمنح حاملها، والأهمّ من وراءه، القدرة على تأمين دور رياديّ ومتقدّم في مسألة الغاز والنفط وما يرتبط ويتفرّع من خرائط وأنابيب وجيوسياسة وتأثير ونفوذ. من هنا لا بدّ من مقاربة جديدة تخصصيّة لوزارة الطاقة والمياه بما ينتج وزارتين، واحدة للموارد الكهربائية والمائية وأخرى للنفط والغاز.
من هنا يُفهم سبب محاولة ميقاتي وضع يده على وزارة الطاقة بمرشّح إجتذبه صوبه، يغازل من خلاله الخارج الداعي الى تسوية حدودية بحرية لا تأخذ في الإعتبار كل الحقوق اللبنانية. واذا كان ميقاتي يناور ويلتحف لبوس إخراج وزارة الطاقة من قبضة التيار الوطني الحر لكي يؤمّن ضمها الى حصته، فهو أكثر المدركين وأولهم كيف تولى وليد فياض الوزارة، وهو أبعد ما يكون عن التيار سياسيا وحزبيا وحتى أفكارا وممارسة. وعليه أن يدرك أيضا أن التزاماته النفطية الخارجية وراعيه السياسي معروفة وموثّقة، إحداها (وليست الوحيدة) صفقة إخراج قطر بتروليوم الفائزة بمناقصة محطات التغويز الثلاث وإحلال توتال مكانها كمحفّز حصري ووحيد للغاز برا وبحرا!