ما يُرسم ويُخطط لوجود النازحين في لبنان له علاقة بالوضع الديموغرافي كما في التوظيف السياسي والأمني

الديار: كمال ذبيان-

لم تكد تمضي ساعات على ارجاء الاجتماع الذي كان مقرراً امس الاول، بين وزيري الدفاع اللبناني اللواء ميشال منسى والسوري اللواء مرهف ابو خصرة، حتى تحركت السعودية لدعوة الطرفين الى عقد لقاء في جده لاهمية العنوان، وهو الوضع العسكري والامني على الحدود الشمالية ـ الشرقية للبنان مع سوريا، التي توجد فيها بلدات وقرى سكانها لبنانيون، فشهدت هذه المنطقة التي في غالبيتها من الطائفة الشيعية، اشتباكات مسلحة مع مجموعات من الامن العام السوري، دخلت الى بلدة حوش السيد علي، بعد تهجير لنحو 70 الف مواطن من تلك المناطق لجؤوا الى قضاء الهرمل والبقاع الشمالي.

 

فالامن احتل اولوية اللقاء الذي كان لا بد منه، لان ما جرى من اعمال عسكرية، قد يتجدد في اي لحظة، وان اشعال فتنة متوافرة مع وجود مسلحين في سوريا، ليسوا تابعين لوزارة الدفاع فيها، اضافة الى التعبئة المذهبية التي ظهرت ضد ابناء الطائفة العلوية في الساحل السوري وغيره، وادت الى ارتكاب مجازر ضدهم فسقط الآلاف منهم بين قتلة وجرحى وتهجير نحو 50 الفا.

هذا الوضع الامني والعسكري، رأت السعودية انه لا يحتمل التأجيل ولا بد من حله، ولان لبنان يدخل مرحلة جديدة بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة والتوجه نحو الاصلاح، فاي تطور عسكري وامني عند الحدود مع سوريا التي تبلغ 360 كلم، فان الداخل اللبناني معرّض لحرب اهلية مع وجود نحو اكثر من مليوني نازح سوري، والذي تطالب بيروت دمشق بحل لازمة النزوح، لكن لقاء جدة ركز على الحدود امنياً . وسبق لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان زار سوريا والتقى رئيسها احمد الشرع مهنئاً بتوليه السلطة، واتفقا على ان يقوم تعاون وتنسيق بين البلدين على غير ما كان عليه في ظل النظام السابق.

 

في لبنان تطالب اطراف سياسية فيه، بالغاء معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق التي ابرمت بين لبنان وسوريا بعد اتفاق الطائف، وفي عهد الرئيسين الياس الهراوي وحافظ الاسد، وانبثق منها المجلس الاعلى اللبناني ـ السوري.

 

فمع التطور الذي حصل في سوريا وسقوط نظامها، فان العلاقات اللبنانية ـ السورية لم تنتظم بعد، وما زالت السفارتان اللبنانية والسورية كل منهما يعمل في دمشق وبيروت، ولم يطلب الحكم الجديد من لبنان وقف العمل بالمعاهدة ووقف المجلس الاعلى اللبناني ـ السوري، الذي ما زال مكتبه في العاصمة السورية مفتوحا، وفق ما كشف الامين العام للمجلس نصري خوري، الذي لم يتصل به احد حول موضوع المجلس، الذي طالب الحزب “التقدمي الاشتراكي” بحله، واعادة النظر في المعاهدة المعقودة بين البلدين، عند لقائه الشرع.

والاحداث التي حصلت على الحدود الشمالية ـ الشرقية للبنان في منطقة الهرمل، والعمليات العسكرية التي نشبت في بلدات وقرى لبنانية الانتماء الى الجغرافيا، مع مسلحين قدموا اليها، مما اضطر الاهالي الى مغادرتها، بعد ان دخل مسلحون اليها واشتبكوا معهم، والذين بلغ عدد المهجرين منهم حوالى 75 الفا، توزعوا على بلدات قضاء الهرمل والبقاع الشمالي.

 

ادت الاشتباكات التي حصلت الى دخول الجيش اللبناني الى القرى المتاخمة للحدود السورية، وحصلت مواجهات بينه وبين عناصر سورية مسلحة، وذكرت التقارير انهم من عناصر الامن العام السوري، فتوقفت المعارك وانتشر الجيش اللبناني الذي طالب به الاهالي لحمايتهم، لكنهم يخشون من قيام مسلحين باعمال عسكرية، كمثل استمرار اطلاق الرصاص باتجاه من يتحرك في منزله وارضه، وان الآلاف منهم لن يعودوا قبل ان يستتب الامن.

هذا التطور العسكري والامني، وعمليات التهجير للاهالي والسكان، وتدمير واحراق منازل ومؤسسات، حركت الحكومة اللبنانية التي قررت ايفاد وزير الدفاع اللواء منسى وعضوية مدير عام الامن العام اللواء حسن شقير ومدير المخابرات في الجيش العميد انطوان قهوجي، لكن الزيارة ارجئت، والتي اراد منها لبنان البحث في موضوع الحدود مع سوريا والمؤجلة منذ عقود، ثم آلية ضبط الامن عليها ومكافحة التسلل والتهريب منها، وقام الجيش اللبناني باقفال معابر غير شرعية، وهي ازمة مزمنة بين الدولتين.

ملف النازحين بات ملحاً لبنانياً، ولم يعد من مبرر لاستمرارهم في لبنان، والذين يشكلون نصف عدد سكانه، وتكلفتهم السنوية حوالى 4.5 مليار دولار، فهم يشكلون عبئاً على الموازنة العامة وعلى كل الخدمات من كهرباء ومياه واستشفاء وتعليم ونقل، والحاق بطالة باللبنانيين.

 

فازمة النزوح التي وردت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون والبيان الوزاري للحكومة لم توضع لها آلية، سوى ما عبّرت عنه وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد بالعودة الطوعية للنازحين، وهي شكلت خلافاً بين اللبنانيين.

 

وما يمنع عودة النازحين السوريين هو المجتمع الدولي، الذي ما زال يصرف لهم موازنات وان تراجعت المبالغ، وان الدول لا سيما الاتحاد الاوروبي يشجع على بقائهم، لاسباب تتعلق بعدم هجرتهم الى دول اوروبية، لكن ما يرسم ويخطط لوجود النازحين في لبنان، له علاقة بالوضع الديموغرافي كما في التوظيف السياسي والامني، وان ذرائع بقائهم سقطت مع رحيل النظام، فتم مع السلطة الجديدة الاعفاء من التجنيد الاجباري في الجيش والملاحقات الامنية.

You might also like