ما الذي يدور في ذهن الشيخ نعيم ؟

محمد محمودي كيا – الخنادق 

يمكن لاغتيال السيد هیثم الطباطبائي، القائد البارز في حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأحد أبرز القادة الجهاديين الناجين من الحرب الأخيرة، أن يشعل مجدداً جذوة الحرب الخافتة ويعيد تفعيل صدوع التوتر في الشرق الأوسط. تبدو الأزمة القادمة وكأنها ستبدأ من جنوب لبنان، ومن غير المستبعد أن يمتد نطاق توسعها، مما يفتح المجال أمام احتمالات متعددة. تكتسب هذه التكهنات مزيداً من الأهمية في ظل بطء وتيرة تحقيق اتفاق السلام في غزة لأهدافه، واستمرار ارتكاب الكيان الصهيوني لممارساته اللاإنسانية ضد سكان القطاع، حيث استثنى الخط الأحمر فعلياً مناطق مثل رفح من نطاق الاتفاق.

ولا يبدو من المستبعد أن حركتي المقاومة الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامي، تواجهان صعوبات في استعادة قدراتهما العملياتية على المدى القصير. وبكلمات أخرى، فإن محدودية الإمكانيات والموارد المتاحة، بالإضافة إلى القيود البيئية المحيطة، تجعل من الصعب توقع إمكانية إعادة تفعيل هذين التيارين في الوقت الراهن.

أما العراق، الخارج لتوه من الانتخابات البرلمانية، فهو منشغل باختيار رئيس للوزراء. المرشح النهائي، وهو نتاج تفاعل القوى السياسية الشيعية العراقية، يواجه تحديات داخلية ودولية، مما يجعل من غير المتوقع أن يتحول العراق إلى ساحة للمواجهة مع إسرائيل في هذه الظروف. هذا العامل، إلى جانب أهمية وجود حكومة فعالة في العراق وقدرة رئيس الوزراء على لعب دور فاعل وقوي كرئيس لجميع مكونات الشعب العراقي وليس للطائفة الشيعية فقط، يعزز صعوبة فرضية انتقال الأزمة إلى العراق.

إلى جانب الجبهتين اليمنية والإيرانية، يبدو أن بعض التيارات الداخلية في المشهد السياسي السوري الحالي، بسبب وجود محفزات داخلية وخارجية، بما في ذلك قضية احتلال مرتفعات الجولان والمرتفعات الشرقية مثل المرتفعات الاستراتيجية لجبل الشيخ، قد ترغب في الاستفادة من فرصة تحرير الأراضي المحتلة في حال حدوث توتر عسكري آخر في المنطقة، بشرط ألا تكون إسرائيل هي الطرف المسيطر.

ومع ذلك، واستناداً إلى تحليل موازين القوى في منطقة الأزمة، يبدو أن لبنان هو من سيحدد توقيت وحدة ومسرح التوتر القادم مع إسرائيل.

خلال العام الماضي، منذ انتخاب الشيخ نعيم قاسم لمنصب الأمين العام لحزب الله في لبنان، وبعد “معركة أولي البأس” وإعلان وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني، لاحظنا نوعاً من “الصبر الاستراتيجي” من قبل الحزب. بلغ هذا الصبر درجة التعاون مع انسحاب القوات حتى الضفة الشمالية لنهر الليطاني وتسليم إدارة المنطقة المتاخمة للكيان الصهيوني للجيش اللبناني، من ناحية، وعدم الرد على الاغتيالات المستمرة التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد قادته ومواقعه اللوجستية، من ناحية أخرى. يبدو أن هذا الأمر ناتج عن تحول في معادلات القوى وموازين التهديد على الأرض، خاصة إذا قارنّا الوضع بفترة الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله، حيث كانت بيروت الخط الأحمر للمقاومة وكانت معادلة “بيروت – تل أبيب” سارية، في حين أنه في أعقاب تطورات الحرب الأخيرة، برزت نوعاً ما معادلة “المطلة – بيروت”، وشهدنا هجمات متفرقة على المناطق السكنية لاستهداف القادة.

الحقيقة أن حزب الله يحتاج إلى وقت لإصلاح هيكله المتضرر وحشد موارده من جديد. يأتي هذا في وقت فقد فيه الحزب جسر التواصل مع محور المقاومة، أو على الأقل، يحتاج إلى وقت لإيجاد نموذج للتفاعل مع الحكام الجدد في سوريا للوصول إلى موارده اللوجستية. تشكل قضية إعادة الإعمار وعودة النازحين تحدياً آخر للحزب، يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجته. إن تحديد أسباب الإخفاقات الأخيرة وإصلاحها يتطلب بدوره هدوءاً ونظرة متأنية، يجب أن يتم كل ذلك في جو من الهدوء وبعيداً عن التوتر؛ وهو أمر يحتاج إلى التعاون مع القوى السياسية داخل المجتمع اللبناني المتعدد، بحيث يتم تجنيب حزب الله أي اتهامات بالتصرف الانفرادي القائم على النهج الطائفي، دون مراعاة المصالح الوطنية.

ترتبط مسألة أخرى بنظرة وكيفية تدخل اللاعبين الإقليميين ودون الإقليميين تجاه مستقبل التطورات في المنطقة. بطبيعة الحال، فإن لإيران، كحليف أيديولوجي وداعم تقليدي لحزب الله، دور لا يمكن إنكاره في قرارات الحزب، على الرغم من أن هذا الدور لم يكن أبداً ذا طبيعة آمرة، حيث أن حزب الله وهيكله القيادي يتصرفان بشكل فعال ومستقل في عملية صنع القرار.

في المقابل، يمكن لدول مثل فرنسا والولايات المتحدة أن تؤثر على قرارات الحكومة اللبنانية، مما يزيد من تعقيد معادلات القوى، ويؤثر على أي إجراء أو قرار يتخذه حزب الله في الظروف الجديدة.

يبدو أن الأمين العام الحالي لحزب الله، بذكاء وإدراك دقيق للوضع الداخلي والإقليمي الحساس والمعقد والصعب، وكذلك للضرورات الهيكلية، يسعى إلى إدارة الأزمة لمنع خروج المبادرة من أيدي المقاومة، حتى يتمكن من الكشف عن خططه العملياتية في الوقت والشكل المناسبين.

يدرك الشيخ نعيم جيداً أنه يجب عدم خوض حرب أخرى قبل إصلاح مواطن الضعف وتعويض النواقص وإيجاد مخرج من المأزق الحالي، لأن تطبيق نموذج غزة على جنوب لبنان وحتى بيروت ليس مستبعداً، ولأن آلة الحرب الإسرائيلية لن ترى أي خطوط حمراء أو قيود أمامها.

من ناحية أخرى، يسعى الشيخ نعيم من خلال إدارته الميدانية إلى أن يقوم أي إجراء مستقبلي ضد سياسات الكيان الصهيوني العدوانية على إرادة جميع الطوائف ودولة لبنان وجيشه، بحيث يتمتع أي نزاع محتمل بحقل خطابي أوسع في المجتمع اللبناني.

يسعى الشيخ نعيم إلى إظهار أن سلاح المقاومة ليس سلاحاً تنظيمياً موازياً للجيش، ولا أداة للسيطرة في يد تيار شيعي معين، بل هو درع وطني للدفاع عن كيان لبنان وسيادته. هذا هو النهج نفسه الذي كان يُتبع في فترة قائد الأمة الشهيد نصر الله، وإن كان في سياق مختلف عن اليوم، ونشهد الآن استمراراً لهذه السياسة في إحداثيات جديدة لأنماط النظام والأمن في المنطقة. ومن الضروري أيضاً الإشارة إلى أن الانقسامات السياسية والمذهبية الموجودة في المجتمع اللبناني عميقة جداً لدرجة أن بناء مثل هذه الصورة عن حزب الله وقبوله بصفته “درعاً وطنياً” يواجه تحديات جمة، ولا يمكن جسر هذه الهوة في المجتمع اللبناني بمجرد تغيير خطابي بسيط.

إجمالاً، يبدو أن ما يدور في ذهن القيادة الجديدة لحزب الله في لبنان يقوم على مبادئ مثل الإدارة الذكية للتوتر للعثور على حل توافقي بين جميع الطوائف اللبنانية يستند إلى ضرورة مكافحة العدوان الإسرائيلي، وإعادة بناء البنية الداخلية للحزب بناء علی الوقائع الحالية والمهام الجديدة. لذلك، وفي ضوء ما سبق، نشهد هدوءاً وصبراً استراتيجياً وعدم تسرع في إدارة التوتر، بهدف خلق الاستعداد لأي دخول محتمل في حرب مستقبلية – تبدو، وفق الأدلة والتجربة التاريخية، حتمية – مع الكيان المحتل.

You might also like