الأخبار: ميسم رزق-
في الوقت الذي عادَت فيه الأنظار إلى «المحادثات الاستثنائية» التي يُجريها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، وسطَ تقديرات بحصول ضربة على إيران، بقيَت مداولات نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في بيروت محطّ تحليل وقراءة لمآلاتها وما يُمكن أن يليها، خصوصاً أن جانباً رئيسياً من المشهد في واشنطن سيحدد ما سيكون عليه واقع جبهة لبنان، وهو ما ناقشه أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال زيارة قامَ بها إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية جوزيف عون.
وتقاطعت التقديرات عند أن «الحالة الأمنية ستظلّ على ما هي عليه الآن، وسيستمرّ العدو الإسرائيلي بخروقاته واعتداءاته، وخاصة في الجنوب.
كما أن تكرار إطلاق الصواريخ من شأنه أن يصعّد الموقف إلى حد كبير». ولكن لدى المسؤولين اعتقادهم بأن الأميركيين يفهمون ما يعنيه ضرب الضاحية الجنوبية، وما قد ينتج عنه من تصعيد خطير ربما يدفع إلى انهيار وقف إطلاق النار، لذلك كانت زيارة أورتاغوس أقل حدّة، وأكثر حذراً وتفهّماً، واهتمّت بالتأكيد أكثر من مرة على حرص بلادها على استمرار وقف إطلاق النار، ورفض العودة للحرب.
وفي هذا السياق، يعوّل المسؤولون اللبنانيون على أن تمارس واشنطن ضغوطاً على تل أبيب، لتجنّب استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، مجدّداً.
وإذا كانَ من الصعب الجزم، بما إذا كانَ ما نقلته أورتاغوس يحمِل بينَ سطوره فخاً أميركياً، إلا أن ما ظهر من تعديلات في اللهجة الأميركية، أثار استغراب أدوات المشروع الأميركي في لبنان، الذين توقّعوا أو كانوا يأملون تعاملاً مغايراً تماماً، حتى إنهم اعتبروا أن الزيارة ستكون «الإنذار الأخير» قبلَ أن تستأنف إسرائيل حربها للتخلّص من حزب الله بالكامل.
الأكيد، ومن دون أدنى شك، أن إدارة واشنطن لم تبدّل مقاربتها ولن تبدّلها، وهي معنية بالدرجة الأولى بحماية المصلحة الإسرائيلية، وأقصى ما يُمكن أن تقدّمه للبنان، فُتات أمني – سياسي – اقتصادي لا يُشكّل تهديداً لإسرائيل.
لكن ما لا يُمكن تجاهله في هذه الزيارة، هو عدم تعمّد المسؤولة الأميركية تظهير القوة والسطوة، لا في العلن ولا في اجتماعاتها. وقد نتج عن الجولة، في الشكل والمضمون، انتقادات داخلية تتصل بجدول أعمالها وما قالته في مجالسها الخاصة. وفي الوقت الذي خصّت أورتاغوس قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع بلقاء خاص ومميز بخلاف كل الآخرين، فقد ظهر تحسّس لدى جهات حزبية وشخصيات سياسية تعتبر نفسها على علاقة مميزة مع الإدارة الجديدة والدوائر الأميركية الفاعلة والمؤثّرة، واستغربت عدم شمولها بلقاءات الموفدة الأميركية.
أما في ما يتعلق بكلامها، فيُمكن تقديم مثال على ما تحدّثت به أورتاغوس في العشاء الذي أقيم لها في منزل رئيس مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان نجاد فارس، وحضره عدد من السياسيين والإعلاميين.
واضح أن ملاحظات الرئيسيْن عون وسلام على الزيارة الأولى لأورتاغوس، فرضت تعديلات على المقاربات في الزيارة الجديدة، سواء داخل الاجتماعات أو في التصريحات
وكان لافتاً، بحسب أحد الحضور أنها لم تقضِ وقتاً طويلاً، رغمَ أن المدعوّين وبعض المتملّقين للمرأة، تحضّروا جيداً قبل أيام للموعد، لكنها اختصرت الوقت وتحدّثت بشكل مختصر وواضح، وبسقف أقل من توقّعات الموجودين. ويقول المصدر إن «الحاضرين كانوا ينتظرون من أورتاغوس الكشف عن خطوات تصعيدية ستقوم بها واشنطن أو حتى تل أبيب للضغط على الدولة اللبنانية»، لكنها اكتفت بالقول إن «التأخير في تنفيذ المطلوب سيؤدي إلى فك الشراكة مع لبنان والتعاون»، ولم تأتِ على ذكر أي خطوة عسكرية.
وتوضح مصادر بارزة، أن أورتاغوس عندما زارت بيروت سابقاً، فهي تسبّبت من خلال التصريحات المتشدّدة بإحراج شديد لرئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. وعليه، أرسل الرئيس عون، رسالة اعتراض إلى الإدارة الأميركية، شرح فيها حساسية الموقف اللبناني، وكيف أن تصريحات مورغان لا تساعد السلطة الجديدة التي تريد التجاوب مع المطالب الأميركية، ولكن بـ«واقعية».
وطلب تعديل الخطاب الأميركي العلني تجاه لبنان. وتجاوب الأميركيون مع رسالة عون، وتحدّثت مصادر دبلوماسية أجنبية عن ملاحظات «حادّة» تلقّتها أورتاغوس من كبار موظفي الإدارة، وخصوصاً رئيسها ستيف ويتكوف. وتزامن ذلك مع «مناخ اعتراضي» أشاعته وزارة الخارجية الأميركية بسبب طريقة تعاطي أورتاغوس مع الملف اللبناني، علماً أن الخارجية الأميركية تعرف أن ملف لبنان في البيت الأبيض وليس عندها. وقد أرسلت السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون ملاحظاتها أيضاً على أداء أورتاغوس في تلك الزيارة، وأوضحت تفاصيل تتعلق بالواقع اللبناني المحلّي تجب مراعاتها ولو على المستوى الإعلامي فقط. ونتيجة لذلك، جاءت هذه الزيارة «ألطف» في الشكل والمضمون، من الزيارة السابقة. وبدا واضحاً أن المبعوثة الأميركية تلقّت ملاحظات وتوضيحات، حول الواقع السياسي اللبناني، وما يصحّ قوله في العلن، وما لا يصحّ.
وبدت أورتاغوس في لقاءاتها أنها أخذت بهذه الملاحظات، حيث أكّدت في اجتماعاتها مع الرؤساء الثلاثة اهتمام وحرص الولايات المتحدة على استمرار وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.
كما أكّدت أن بلادها لا تدعم أي تحرّك من شأنه تجديد الحرب. وهي أوردت هذا الموقف ضمن سياق أشمل، يتعلّق بالمنطقة بشكل عام، حيث شدّدت على أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدف إلى إنهاء الحروب لا إشعالها. ولو أنها في المقابل، شدّدت على أن إدارتها تدعم إسرائيل بشكل كامل في ما وصفته بـ«حقها بالدفاع عن نفسها». وفي هذا السياق تحدّثت عن حادثتي إطلاق الصواريخ من الجنوب. وأكّدت على وجوب عدم السماح بتكرار هذه الإطلاقات، لأن إسرائيل ستردّ عليها بعدوانية كبرى، وواشنطن لن تمنعها من ذلك.
كما أبدت أورتاغوس ارتياح واشنطن لمسار تطبيق وقف إطلاق النار، واعتبرت أن ما أُنجز جيّد، وأثنت على دور الجيش اللبناني وانتشاره في الجنوب، ولكنها أشارت إلى أن هنالك حاجة إلى استكمال هذا المسار سريعاً، والتطبيق الكامل للقرار الدولي 1701، وصولاً إلى نزع سلاح الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة بشكل كامل. وتجنّبت أورتاغوس الحديث عن جدول زمني أو مهل محددة. وأبدت «تفهّماً» محدوداً للواقع اللبناني وتعقيداته التي قد تؤخّر تحقيق هذه الأهداف.
وفي لقائها مع الرئيس بري، تحدّثت أورتاغوس عن حرص واشنطن على استمرار وقف إطلاق النار، فيما سمعت كلاماً من بري حول خطورة تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، فضلاً عن الاعتداءات والخروقات اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب. وأشار بري إلى أن تكرار الاعتداءات على الضاحية، بشكل خاص، يهدّد استمرار وقف إطلاق النار، وقد يؤدّي إلى نتائج خطيرة.
أما في ما يتعلّق بالطرح اللبناني لطريقة تشكيل اللجان التفاوضية (عسكريين وتقنيين)، والطرح الذي تحدّث عن مفاوضات مكوكية تقودها أورتاغوس نفسها، بين بيروت وتل أبيب، فقد أشارت المبعوثة الأميركية إلى أنها ستدرس هذه الأفكار، وستطرحها على الإسرائيليين، وتعود بالجواب إلى المسؤولين اللبنانيين.
يُشار إلى أن المبعوثة الأميركية سوف تسافر إلى الخليج العربي، حيث تنتظرها اجتماعات مفصّلة تخص الوضع في المنطقة، ومن بينها ملف لبنان، وذلك قبل عودتها إلى الولايات المتحدة لاستئناف اجتماعاتها مع الجانب الإسرائيلي حول لبنان.