عماد مرمل –
استفزّت الغارات العنيفة التي شنّها العدو الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت عشية عيد الأضحى الخميس الماضي، قيادة الجيش اللبناني التي بادرت إلى إصدار بيان مرتفع السقف، تضمّن تحذيراً غير مسبوق. فما هي دوافع هذا الموقف وأبعاده؟
بعد العدوان الإسرائيلي الأخير والواسع على الضاحية الجنوبية، نبّهت قيادة الجيش في بيان لافت إلى أنّ «إمعان القوات الإسرائيلية في خرق اتفاقية وقف الأعمال العدائية، ورفضها التجاوب مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، ما هو إلّا إضعاف لدور اللجنة والجيش، ومن شأنه أن يدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع تلك اللجنة في ما خصّ الكشف على المواقع».
بدا واضحاً أنّ هذا البيان انطوى على نبرة تحذيرية هي الأولى من نوعها في أدبيات المؤسسة العسكرية منذ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، ما يعكس حجم الاستياء الذي ساد قيادة الجيش عقب غارات الخميس، بعدما شعرت أنّه يُراد لها أن تكون شاهد زور على انتهاكات الاحتلال للاتفاق والسيادة اللبنانية.
ويكشف العارفون، أنّ قيادة الجيش قرّرت اعتماد لهجة مرتفعة في مخاطبة مَن يعنيهم الأمر، لأنّه لم يكن في إمكانها البقاء مكتوفة والتغاضي عن الحجم الواسع للاعتداء الأسرائيلي الذي شكّل إحراجاً مباشراً لها، خصوصاً أنّه كان الأعنف منذ الإنتهاء «النظري» للحرب، وأصابت شظاياه آلية المراقبة المتوافق عليها، وسط تجاهل الاحتلال لها في كثير من الأحيان.
ويلفت هؤلاء، إلى أنّ الجيش الذي لا يملك كثيراً من أوراق القوة ولا يستطيع مواجهة العدوان عسكرياً بفعل الخلل الكبير في موازين القوى، لم يكن أمامه سوى أن يلوّح باستخدام سلاح تعليق التعاون مع آلية لجنة الإشراف، حتى يدفع المعنيِّين بها إلى تحمّل مسؤولياتهم، وليوصل رسالة واضحة لهم بأنّه لن يقبل بمحاولة فرض أمر واقع عليه وتهميش دوره.
ووفق المطّلعين، فإنّ تل أبيب تعتمد الاستنسابية والمزاجية في التعامل مع آلية المراقبة، إذ إنّها تتعمّد القفز فَوقها في بعض الأوقات كما فعلت الخميس الماضي، لإيصال رسائل سياسية عبر «صندوق بريد الضاحية»، وتستعين بها في أوقات أخرى كما فعلت مراراً في جنوب نهر الليطاني وحتى في شماله، حيث كان يبادر الجيش إلى التحرّك الميداني بغية الكشف على مواقع مزعومة لتخزين أو تصنيع الأسلحة، بناءً على المراجعات والإشعارات التي كانت تصله من لجنة الإشراف.
ويَروي هؤلاء، أنّه من المفارقات أنّ الجيش كان قد عايَن ابتداءً من السابعة صباح الخميس الناري، أحد الأمكنة في منطقة المريجة، وبقيت لجنة الإشراف تنتظر نتيجة الكشف حتى الثانية بعد الظهر، حين أرسل الجيش إليها تقريره الذي دحض الادّعاءات الإسرائيلية حول وجود أنشطة مشبوهة في المكان، لكنّ العدو نفسه لجأ بعد الظهر إلى قصف أهداف أخرى في الضاحية، من دون أن يتمّ إخضاعها إلى قاعدة الفحص المسبق المعتمدة، ما يؤكّد، تبعاً لمصادر رسمية واسعة الاطّلاع، أنّ تل أبيب أرادت عبر غاراتها العنيفة ليس فقط الضغط المباشر على الدولة اللبنانية في ملف سحب سلاح «حزب الله» وإنّما أيضاً الإبلاغ إلى الجانب الأميركي أنّها منزعجة من الواقع الحالي، وأنّ المطلوب منه زيادة الضغط على رئيس الجمهورية وقائد الجيش للاستعجال في نزع السلاح.
وتعتبر المصادر الرسمية أنّ من حق الجيش التلويح بوقف التجاوب مع آلية المراقبة إذا أصرّت قوات الاحتلال على الاستمرار في عدم احترامها أو على تطبيقها انتقائياً، وبالتالي فإنّ البيان الذي صدر عنه في هذا الإطار يندرج ضمن صلاحياته، خصوصاً أنّه يُشكّل جزءاً عضوياً من تلك الآلية، مستغربةً اتهام بعض الأصوات للجيش بأنّه صَادَر دور السلطة السياسية، ذلك أنّه لم يُهدِّد بالانسحاب من لجنة الإشراف في حدّ ذاتها وهذا من اختصاص المستوى السياسي، وإنّما هدّد بتعليق انخراطه في آلية المراقبة وهذا إجراء تنفيذي يتصل به.
وتشدّد المصادر على أنّ هناك تماهياً بين موقفَي رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية، لافتةً إلى أنّ الجيش يعرف دقّة المرحلة، وهو أعطى فرصة جديدة لإنجاح مهمّة «الميكانيزم» من خلال مبادرته أمس إلى الكشف مجدّداً على الموقع نفسه الذي سبق أن عاينه الخميس في المريجة، بعدما أصرّ العدو على أنّ أنشطة عسكرية تجري تحت الأرض، ليتبيّن عقب الحفر والرصد عدم صحة هذه الشبهة.
وتوضّح المصادر، أنّ الجيش رفع البطاقة الصفراء بواسطة بيانه الأخير، على أمل ألّا يضطرّ إلى إشهار البطاقة الحمراء إذا تكرّرت «الفاولات» الإسرائيلية في «منطقة الجزاء» اللبنانية من دون أن تحرّك لجنة الإشراف ساكناً.