الأخبار: عامر علي-
تدفع واشنطن وتل أبيب نحو اتفاق أمني مع دمشق يعيد رسم جنوب سوريا ويُشرعن النفوذ الإسرائيلي تحت غطاء «حماية الدروز».
في إطار المساعي الأميركية المستمرة لبناء علاقات بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، تستضيف العاصمة الفرنسية باريس لقاء، هو الثاني من نوعه على المستوى الوزاري، بعد اللقاء الذي عُقد في العاصمة الأذربيجانية، باكو، بين وفد سوري برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، وآخر إسرائيلي برئاسة وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك.
ويأتي اللقاء بعد أيام من حملة التصعيد الإسرائيلية الكبيرة على سوريا، بذريعة حماية الدروز، إثر شنّ فصائل حكومية ومؤازرة لها هجوماً كبيراً على السويداء سقط خلاله نحو 1200 شخص، وخلّف أوضاعاً مأساوية في ظلّ الحصار الذي تفرضه الفصائل الموالية للسلطات الانتقالية على المحافظة. وتأمل الإدارة الجديدة، عبر هذا الاجتماع، أن تتوصّل إلى اتفاق ما يسمح بتهدئة المنطقة الجنوبية، ويخفّض من التوتر المستمر، والذي ذكرت وكالة «رويترز» أنّ سببه «سوء فهم» من الإدارة السورية، التي ظنّت أنها حصلت على ضوء أخضر أميركي وإسرائيلي يسمح لها بمهاجمة الدروز.
كما يأتي اللقاء بعد لقاءات سابقة استضافتها آذربيجان، على هامش زيارة أجراها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قبل نحو أسبوعين، إلى ذلك البلد، وذكرت تقارير أنه حضر أحدها في وقت نفت فيه صحيفة «الوطن» السورية المقرّبة من الشرع هذه الأنباء، وأكّدت عقد لقاءات بين وفدين سوري وإسرائيلي، من دون أن تحدّد من شارك فيهما. كما أوضحت أنّ الهدف من المحادثات الوصول إلى اتفاقية أمنية مع إسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت تل أبيب عدم اعترافها بالاتفاقية الموقّعة عام 1974 بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ورافق اللقاءين المعلنين (لقاء باكو واللقاء الحالي في باريس) اجتماع سري استضافته العاصمة الأردنية عمّان، في إطار مساعي المبعوث الأميركي للوصول إلى تهدئة مع إسرائيل، بعدما أعلنت تركيا، الحليف الإستراتيجي للشرع، بدء حراك دبلوماسي واسع في هذا الإطار، بالشراكة مع السعودية.
ولم تتسرّب عن لقاء عمّان أي معلومات دقيقة، باستثناء الإعلان عن التوصّل إلى اتفاق يخصّ السويداء، يقضي بخروج فصائل الحكومة السورية والعشائر المؤازرة لها من المحافظة، وفتح معابر إنسانية، وتبادل للأسرى، بالإضافة إلى تعهّد السلطات بتشكيل طوق أمني يمنع الفصائل من شنّ أيّ هجمات جديدة، الأمر الذي أوقف المعارك فعلياً، برغم بعض الخروقات.
الملاحظ في اللقاءات السورية – الإسرائيلية، الدفع غير المباشر التركي لعقدها
كما ساهم في خسارة السلطات الانتقالية أيّ وجود فعلي لها في السويداء، التي باتت فعلياً تحت سلطة الفصائل الدرزية، برئاسة الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الطائفة. وعلى عكس اللقاءات السابقة بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، والتي تمّت في الإمارات وآذربيجان وعمّان، بوساطة أميركية، يأتي لقاء باريس ليضيف إلى الجهود الأميركية بعداً أوروبياً، في ما يبدو أنه محاولة للاستفادة من مساعي فرنسا المتواصلة لتوسيع نفوذها في سوريا، بدفع العلاقات بين دمشق وتل أبيب.
والجدير ذكره، هنا، أنّ هذا الاجتماع هو جزء من حراك فرنسي – أميركي أوسع كان من المفترض أن يشمل لقاء بين وفد من السلطات السورية الانتقالية وآخر من «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، قبل أن يتمّ إفشاله، وتصدر تلك السلطات بياناً شديد اللهجة يرفض الشروط الكردية التي تدور حول الحفاظ على المكاسب السابقة في ما يتعلّق بـ«الإدارة الذاتية»، والقوات العسكرية التي تريدها أن تبقى كتلة واحدة، الأمر الذي يأتي، على ما يبدو، بعد تدخّل تركي مباشر أفشل هذا اللقاء، في ظلّ رغبة تركيا المعلنة في القضاء على «الذاتية».
وفي استباق لعقد اللقاء بين الوفدين السوري والإسرائيلي، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سلسلة تصريحات شديدة اللهجة، أعلن عبرها تصميمه على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، بالإضافة إلى تأكيده الاستمرار في ما يسمّيه «حماية الدروز».
ويعني هذا إصرار إسرائيل على شروطها السابقة (منطقة منزوعة السلاح في الجنوب واتفاقية أمنية محدثة تمنح تل أبيب إشرافاً عسكرياً عليها)، التي تضاف إليها هذه المرة محاولة خلق حالة سلطوية جديدة في السويداء، أقرب ما تكون إلى الفيدرالية، سواء تمّ إطلاق هذا المصطلح أو إغفاله، وذلك بعد أن تمكّنت تل أبيب من تمتين حضورها في المحافظة، وظهرت، عبر الهجمات والمجازر التي ارتكبتها الفصائل التابعة والمؤازرة للسلطات الانتقالية، باعتبارها القوة التي تحمي الدروز من الإبادة.
على أنّ الملاحظ في اللقاءات السورية – الإسرائيلية، الدفع غير المباشر التركي إلى عقدها، في محاولة من أنقرة، التي أعلنت قبل يومين توقيع اتفاقية مع دمشق تسمح لها بدعم القوات السورية، لمعرفة حدود نفوذها على الأراضي السورية، في ظلّ الرفض الإسرائيلي المستمر لأي تمدّد تركي جديد.
وهذه النقطة الأخيرة قد يحلّها توقيع الاتفاق الأمني الذي يتمّ الحديث عنه، والذي قد يتبعه إنشاء مكتب اتصال إسرائيلي في دمشق، في مقاربة تهدف إلى توثيق العلاقات من دون علاقات سياسية مباشرة، في المرحلة الأولى، قبل الانخراط الكامل في المشروع الأميركي للتطبيع مع إسرائيل وفق ما يعرف باسم «اتفاقيات آبراهام»، والتي نجحت عبرها واشنطن في فتح الباب أمام أكبر موجة تطبيع عربية مع إسرائيل، انضمّت إليها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، عام 2020.