صلاح سلام –
يبدو أن الطبقة السياسية في لبنان تعيش في كوكب آخر. فبينما تشتد التهديدات الإسرائيلية ويتصاعد القصف اليومي على الحدود الجنوبية تحت ذريعة ضرب «البنية العسكرية لحزب الله»، ينشغل معظم السياسيين بمعاركهم الصغيرة حول قانون الانتخاب وتوزيع أصوات المغتربين.
وفي الوقت الذي يعلو فيه دخان الحرب ويُسمع هدير الطائرات الإسرائيلية في السماء اللبنانية، يحتدم الكباش الداخلي بين أكثرية نيابية تطالب بإعطاء المغتربين حق الاقتراع في الدوائر كافة كلٍ حسب قيد نفوسه، وفريق معارض للتوجه الأول يقوده الثنائي الشيعي ويسعى إلى حصر تصويتهم في دائرة الاغتراب (الدائرة 16) المخصصة لستة مقاعد قارية، بمعدل نائب واحد لكل قارة!
هذا السجال، على أهميته الدستورية والسياسية، يكشف مدى الانفصال بين أولويات أهل السلطة وأولويات الناس. فلبنان، الذي يعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار مؤسساتي متفاقم، مهدّد اليوم بخطر وجودي إذا ما انزلق الجنوب إلى مواجهة شاملة. ومع ذلك، يواصل السياسيون لعبة تسجيل النقاط الانتخابية، وكأن البلاد في بحبوحة من الاستقرار، متناسين أن أي تصعيد عسكري واسع قد يطيح بما تبقّى من البنية التحتية والاقتصاد، ويبدّد كل أمل في انطلاقة إعادة الإعمار.
في ظل هذا المشهد المأزوم، يبدو أن لبنان يعاني من غياب قيادة وطنية موحّدة قادرة على إدارة الأولويات ومواجهة الأخطار الداهمة. فالانقسام السياسي، الذي يلبس هذه المرة ثوباً انتخابياً، يعمّق الشلل ويجعل الدولة وكأنها متفرجة على تسارع الأحداث من حولها. لا مؤشرات جدية على خطة دفاعية وطنية، ولا على موقف سياسي موحّد يردع العدوان أو يضعه في إطار ديبلوماسي فعّال.
إن المأزق الحقيقي لا يكمن فقط في الانقسام حول قانون الانتخابات، بل في انعدام الحسّ الوطني لدى من يُفترض أنهم قادة المرحلة. فبلد مهدَّد بالحرب والانهيار لا يمكن أن تُدار شؤونه بعقلية “الحصص” و”الدوائر”، بل بحاجة إلى رؤية إنقاذية تضع الأمن الوطني فوق كل اعتبار، وتعيد الاعتبار إلى مفهوم الدولة الجامعة التي تتقدم فيها المصلحة العامة على المصالح الفئوية والانتخابية.
فماذا ينفع جهابذة السياسة إذا بقي لبنان يشتعل إنتخاباً .. ويحترق جنوباً؟!


