حبيب البستاني*
تتسارع الأحداث على الساحة اللبنانية والإقليمية بحيث أصبح من المستحيل الوقوف على حافة الانتظار، وما حدث خلال الساعات الماضية من قيام الجنوبيين باستعادة أرضهم والعودة إلى قراهم ومنازلهم المهدمة، وذلك بمبادرة أحادية لتطبيق قرار وقف إطلاق النار ومندرجات القرار 1701 والقاضي بعودة النازحين إلى قراهم في مهلة أقصاها 60 يوما من تاريخ الموافقة على التطبيق. وهكذا كان ومباشرة بعد انتهاء المهلة وبالرغم من التهديدات والتحذيرات الإسرائيلية، وبالرغم من اعتداءات جيش الاحتلال عاد أهل الجنوب مسطرين بالدم هذه العودة، ومؤكدين للعالم أجمع أن لا قوة مهما بلغ جبروتها، لا يمكنها الوقوف أمام عناد شعب وتمسكه بحقوقه المشروعة بتراب أرضه وحقه المقدس باستعادتها.
الشعب وحده ضد الاحتلال
ومن جهة ثانية كان غياب الدولة فاقعا وذلك بالرغم من مواكبة الجيش لهذه العودة، فلا حكومة شرعية تواكبها ولا من يحزنون. لقد انتظر اللبنانيون طويلا ملء الفراغ وهم هللوا لوصول رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من سنتين وثلاثة أشهر من شغور سدة الرئاسة. وكان اللبنانيون يمنون النفس بسرعة تشكيل حكومة جديدة، لتحل مكان الحكومة الغير شرعية والمنقوصة الصلاحية، حكومة على رأسها رجل عصامي أكاديمي من الطراز الأول، كانوا ينتظرون وهم ما زالوا ولهم ملء الثقة بدولة الرئيس نواف سلام ليقوم بتشكيل حكومة على قدر المسؤوليات الملقاة على عاتقه. فأين الخطأ من أن يحلم اللبنانيون بدولة بكل ما للكلمة من معنى، دولة تتخطى المحسوبيات والطائفية والزبائنية. حكومة تتولى إعادة الإعمار ووقف الهدر والفساد، حكومة تقوم بالإصلاح وإرساء الدولة المدنية، دولة لا طائفية، دولة يكون فيها القانون سيدا واحدا واللبناني أي لبناني تحت سقف القانون.
التشكيلة عقدة العقد
لم يكن اللبنانيون يتوقعون التأخير بإعلان تشكيلة حكومية حديثة، وذلك بعد الدعم الدولي الكبير الذي جاء بفخامة الرئيس جوزف عون رئيسا ودولة الرئيس نواف سلام رئيسا مكلفا. وإذا كان صحيحا أنه وبالنسبة لتشكيل الحكومات السابقة فإن تشكيل الحكومة العتيدة لم يستنزف كامل وقته، ولكن الموضوع هذه المرة يتخذ طابع العجلة، فالامور لا تنتظر والاستحقاقات لا تنتظر، وقياسا لخبرة اللبناني في هذا المجال فإن حبر الوعود والتعهدات الدولية والإقليمية لن يلبث أن يجف مع مرور الزمن. وأنه إذا كانت هنالك رغبة لدى المجتمع الدولي بمساعدة لبنان فإن هذه الرغبة قد تبددها تغيرات إقليمية ودولية، وهذا مما لا نريده أن يحصل.
الحكومة اليوم
هكذا أصبح لزاما على الرئيس المكلف، واليوم قبل الغد أن يبشر اللبنانيين بولادة الحكومة العتيدة، فليس من الحكمة بشيء تأخير الولادة لأن المستفيد الأول من ذلك سيكون العدو الصهيوني الذي يراهن على تبدل الظروف والمعطيات. إن التذرع بفيتوات من هنا وشروط من هناك لا يفيد. لقد بات على الرئيس المكلف أن يخرج بتشكيلة حكومية قادرة منسجمة ليصار إلى التداول بها مع فخامة الرئيس كي يصار إلى إعلانها، وذلك بغض النظر عن موقف هذا أو ذاك من الأفرقاء “المعرقلين”.
كاتب سياسي*