غطرسة أميركية بلغة «حيوانية»! صلاح سلام – “اللواء”

لم يكن مفاجئاً أن تكشف المحادثات التي أجراها الوفد الأميركي الموسع مع الرؤساء الثلاثة في بيروت، عن انحياز أميركي صارخ إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، رغم أنّ لبنان اتخذ قراراً تاريخياً طال انتظاره بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. فبدلاً من مقاربة متوازنة تراعي مصلحة الاستقرار اللبناني والحقوق الوطنية، جاء الموقف الأميركي مشروطاً ومنحازاً، الأمر الذي يضع وساطة واشنطن مجدداً في دائرة الشكوك والريبة.

السناتور الأميركي غراهام الذي تحدث بإنفعال، لم يجد حرجاً في التصريح بأن لا بحث في أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة قبل إنجاز عملية سحب سلاح حزب الله. وهذا الشرط المسبق يشكل عملياً نسفاً كاملاً لفكرة «الخطوة خطوة» التي سبق أن أعلنها الموفد الأميركي توم باراك في زيارته السابقة، والتي كان يمكن أن تشكل قاعدة للتدرج نحو حل متوازن يفتح الباب أمام استعادة السيادة اللبنانية الكاملة.

لقد ظهر أعضاء الوفد الأميركي في المؤتمر الصحفي في القصر الجمهوري وكأنهم يتبارون في الدفاع عن الموقف الإسرائيلي، وفرض الشروط على الدولة اللبنانية، حتى باراك أطاح بدماثته السابقة عندما خاطب الصحفيين بلغة» حيوانية»، كشفت الغطرسة الأميركية التقليدية في التعامل مع الخصوم والحلفاء على حد سواء.

بهذا الموقف، تكون الإدارة الأميركية قد أعادت إنتاج سياستها التقليدية القائمة على حماية إسرائيل وتحصين احتلالها، على حساب أي اعتبارات أخرى. فالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني كان يجب أن يكون استحقاقاً قائماً بذاته تنفيذاً للقرارات الدولية، وخاصة القرار ١٧٠١، لا ورقة مساومة تستخدمها واشنطن لفرض شروطها على الجانب اللبناني.

الأدهى من ذلك أن هذا الانحياز يطيح مجدداً بفكرة الوسيط النزيه، إذ كيف يمكن للبنان أن يثق بوساطة طرف يعلن سلفاً انحيازه لطرف العدو، على حساب حقوقه الوطنية ؟ وكيف يمكن الرهان على وساطة أميركية بينما سجلها حافل بمحاولات ليّ الذراع وتغليب ميزان القوى لمصلحة إسرائيل؟
إن ما يجري يفرض على الدولة اللبنانية أن تكون أكثر حذراً في التعاطي مع أي وساطة أميركية، وأن تسعى إلى توسيع دائرة التحرك الدبلوماسي عبر قنوات عربية ودولية أخرى قادرة على تأمين مقاربة أكثر عدالة. فالحق اللبناني لا يمكن أن يُختزل بوجهة نظر واشنطن، ولا يمكن أن يُرتهن لمعادلة تميل بالكامل لمصلحة الاحتلال.

إن لبنان، وهو يخطو خطوات شجاعة نحو تعزيز سيادته الداخلية، لن يقبل أن يبقى أسير ابتزاز سياسي يخدم إسرائيل وحدها. فوساطة غير متوازنة كهذه لن تقود إلّا إلى المزيد من التأزم، فيما المدخل الحقيقي لأي استقرار دائم يبدأ بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

You might also like