أنطوان الأسمر –
تبدّدت مناخات التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة، مع اتضّاح العقد وموئلها، ابتداءً من إصرار الثنائي الشيعي على تسمية وزير المال من دون الأخذ برأي المعنيين الوحيدين بالتأليف، رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والرئيس المكلف نواف سلام، إلى جانب احتكار تسمية الوزراء الشيعة الخمس. ودفعت هاتان العقدتان العواصم المعنية بالتسوية اللبنانية إلى صرف النظر عن وضع مهلة للتأليف والتي كانت محصورة بنهاية هذا الأسبوع، والطلب من سلام عدم الاستعجال إلى حين تمكّنه من تشكيل الحكومة القادرة على تنفيذ الإصلاحات، تضمّ وزراء يوحون بالثقة، وتلاقي الرغبة العربية والدولية بمدّ يد المساعدة والإسهام في إعادة الإعمار والنهوض.
يطمح الخارج إلى حكومة مستقلة تحظى بثقة غالبية الكتل النيابية لكي لا تسقط في امتحان الثقة في المجلس، قادرة على الإصلاح وراغبة فيه، تكسر احتكار المنظومة للدولة وتُجهز على هدفها الرئيس وهو إعادة إحياء نفسها بأدوات جديدة. وثمة من يعتقد أن المدخل العريض لتحقيق كل ذلك يكمن في تحرير وزارة المال من القبضة الحزبية، بما يتيح أن يتسلّم الوزارة وزير (شيعي إذا لزم) موثوق فيه داخليا وخارجيا، لا يخضع لسطوة النهج القائم منذ سنة ٢٠١٤.
ويبقى موضوع اختزال حركة أمل وحزب الله الحقائب الشيعية الخمس موضع نقاش، بعدما سبق لسلام أن أعرب عن رغبته في أن يُسمّي الوزير الشيعي الخامس على أن يسمّي الثنائي سنيّا من ضمن حصته. ولا ريب أن حصر التسمية الشيعية بالثنائي ستمنحه بذريع الميثاقية (والمفترض أن تكون طائفية بين المسيحيين والمسلمين لا مذهبية بين المذاهب أنفسها) ورقة تعطيل للحكومة تعادل ورقة الثلث المعطّل.
وتطرح مسألتا إحتفاظ الثنائي الشيعي بوزارة المال وازدواجية المعايير في اختيار الكتل الوزراء في الحكومة، مدى توافقهما مع انطلاقة العهد والزخم الذي ناله، والتعويل على أن تكون الحكومة الأولى فاتحة الاصلاحات المالية والاقتصادية المعطّلة بقرار واضح لا لبس في صانعه. لذا برز الاعتراض المسيحي على انعدام وحدة المعايير وخصوصا في مسألة اختيار الوزراء – السياسيين، إلى جانب سقوط التناسب في توزيع الوزراء على الكتل المسيحية، وهو ما سيؤدي حكما إلى خلل في التمثيل على المستوى المسيحي سيكون محلّ اعتراض ما لم يقدم الرئيس المكلف على تصحيحه.
ويتعرّض سلام لضغط من الكتل المسيحية، مع إصرار القوات اللبنانية على الخروج بحصة راجحة ووازنة كمّاً ونوعاً، تظهر الفارق بينها وبين التيار الوطني الحر، لتكرّس بذلك حجمها الذي تعتقد أنه يتطابق وحضورها النيابي والشعبي، بما يتيح التوظيف السياسي في الانتخابات النيابية المقبلة. ولن يسلّم التيار التسليم للقوات بما تسعى إليه، وهو ما يظهر في البحث الحاصل مع الرئيس المكلّف.
وثمة ملاحظات على الآلية التي يعتمدها سلام في تحديد الأحجام وتوزيع الحقائب طائفيا ومذهبيا، مع خشية من أن تحكم إزدواجية المعايير عملية التأليف وما سينتج عنها من خلل واعوجاج سيؤثر حكما في عمل الحكومة. وتعني هذه الإزدواجية أن ثمة فريقا سيرجّح وجهة نظره على حساب أفرقاء آخرين، وخصوصا في مسألة تسمية وزراء حزبيين أو سياسيين.
وكان لافتا أن سلام عاد إلى معاييره الموحدة التي وضعها في بداية التكليف، بعدما سبق أن تغاضى بعض الشيء عنها، والقائمة على اللاءات الثلاث: لا حزبيين، لا نواب، لا مرشحين للانتخابات، إلى جانب معيار الاعتماد على الكفاءات.
وأبرز سفراء “المجموعة الخماسية” في الأيام الأخيرة اهتماما ملحوظا وعلنيا بمسار التأليف، بما يعكس الاهتمام الديبلوماسي بتذليل ما استجدّ من صعوبات تعوق التشكيل، بغية الإفادة القصوى من زخم الرعاية العربية والدولية وعدم تبديد الرغبة بالمساعدة.
يقول مصدر سياسي رفيع تعليقا على التوجّه بعدم توزير حزبيين: حصل كل من العماد جوزاف عون والسفير نواف سلام على نحو ٧٥ صوتا من نواب حزبيين. بمعنى آخر، كانت للكتل الحزبية الباع الرئيسية في بلورة المشهدية الرئاسية هذه. تاليا، لا تستقيم الإزدواجية المتمثّلة في طلب ثقة الحزبيين في الرئاسة وفي التكليف، ولاحقا في جلسة الثقة بالحكومة العتيدة، فيما يُحجب حق التوزير عن الحزبيين. ويرى أن حصر التوزير بغير الحزبيين هي سابقة على مستوى الديمقراطيات، وممارسة غير دستورية، تنتقص من الحقوق المدنية للحزبيين، وتنمّ عن تمييز أشبه ما يكون بالعنصري.
ويكشف عن توجّه لدى كتل نيابية لمواجهة هذا السلوك عبر تقديم اقتراح قانون يفرض على الرئيس المكلّف أن يكون على الأقل نصف الوزراء زائدا واحدا من الحزبيين، بما ينسجم مع التوازنات ومع الاقتراع الشعبي للأحزاب.