نكتب عن الجنرال، حين عاد من المنفى، لا ليُصفّي حسابًا، بل ليُعيد بناء وطنٍ مزّقته الحروب، وأرهقته الانقسامات، وأُنهكت فيه الدولة حتى كادت أن تنهار. عاد في لحظةٍ كان فيها لبنان يتأرجح بين الفوضى والفراغ، فاختار أن يدخل من باب السياسة، لا من باب المعارك، حاملاً مشروعًا لا ثأرًا.
في عام 2005، دخل التيار الوطني الحر المجلس النيابي بأكبر كتلة مسيحية، وكان ذلك فعل إيمان لا فعل تحدٍّ. إيمانٌ بألا أحد يستطيع إلغاء الآخر، وأن العيش المشترك ليس شعارًا، بل مصيرٌ لا مفرّ منه. كانت تلك اللحظة بداية استعادة التوازن الوطني، وإعادة الصوت المسيحي إلى قلب القرار السياسي.
ثم جاء عام 2006، عام الحرب، حين شنت إسرائيل عدوانها على لبنان، فوقف التيار الوطني الحر إلى جانب المقاومة، لا من باب الاصطفاف، بل من باب السيادة. يومها، وُلد التفاهم مع حزب الله، وكان الجنرال واضحًا في موقفه:
“نحن لا نؤيد السلاح، بل نؤيد من يحمل السلاح دفاعًا عن الأرض.”
وكانت تلك المرحلة بداية مسار جديد، مسار التفاهم الوطني، لا التبعية، مسار بناء الدولة من داخلها، لا من خارجها.
بين 2006 و2015، لم تكن السنوات سهلة. كانت مليئة بالتحديات، بالحصار السياسي، بالتشكيك، وبمحاولات العزل. لكن الجنرال لم يتراجع. كان يسعى إلى بناء دولة المؤسسات، إلى استعادة الحقوق، إلى إعادة التوازن في التعيينات، وفي الإدارة، وفي القرار. كان يقول دائمًا:
“لا نريد أن نأخذ أكثر من حقنا، لكننا لن نقبل بأقل منه.”
نكتب عن تلك السنوات، حين خاض التيار معارك الإصلاح، من ملف الكهرباء إلى ملف القضاء، من محاربة الفساد إلى المطالبة بالمحاسبة. لم تكن المعارك شعبوية، بل كانت جوهرية، لأن الجنرال كان يؤمن أن الدولة لا تُبنى بالشعارات، بل بالقوانين، وبالعدالة، وبالشفافية.
نكتب عن الجنرال، حين وقف في وجه المحاصصة، ورفض أن يكون شاهد زور على انهيار الدولة. وحين قال:
“نحن هنا لنُصلح، لا لنُساير.”
وكانت تلك الكلمات تختصر مسارًا طويلًا من المواجهة، لا من المجاملة.
نكتب عن مرحلةٍ امتدت تسع سنوات، لم تكن فيها السلطة هدفًا، بل وسيلة. وسيلة لإنقاذ لبنان، لا للهيمنة عليه. وسيلة لإعادة بناء الدولة، لا لتقاسمها.
نكتب… لأن الجنرال لم يرجع ليحكم، بل ليُصلح. لم يرجع ليُقصي، بل ليجمع. لم يرجع ليُعيد الماضي، بل ليكتب مستقبلًا جديدًا.
يتبع…


