الأخبار: في مصادفة غريبة، تعيد إلى الأذهان بدايات الأزمة السورية عندما كان يدور الحديث حينها عن «المادة الثامنة» من الدستور السوري، والتي تحصر السلطة بيد «حزب البعث»، قبل أن يتم شطبها على الورق والإبقاء عليها على أرض الواقع، تلوح أزمة جديدة في الأفق حول «مادة ثامنة» أخرى تتعلق هذه المرة بالقرار 2254 حول الحل في سوريا.
ومن شأن ذلك أن يضفي مزيداً من الغموض حول المستقبل السياسي للبلاد، في ظل الكباش الدولي حول سوريا من جهة، واحتكار «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) السلطة حتى الآن.
وتعود الأزمة العميقة في بنية القرار الأممي الذي صدر عن مجلس الأمن عام 2015، إلى أسباب عديدة، أبرزها غياب أحد أطراف الحل المفترض (نظام الرئيس السوري الفار بشار الأسد)، بالإضافة إلى ما تحتويه المادة الثامنة من مساواة بين تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، والاتفاق على ضرورة محاربة هذه التنظيمات المتطرفة المُدرجة على لوائح الإرهاب، ما يعني أنه على «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) أن تحارب نفسها.
ودارت خلال اللقاء الذي جمع بين المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، والوفد الذي رافقه إلى دمشق، وبين الشرع، في مبنى رئاسة مجلس الوزراء، نقاشات عديدة حول هذه النقاط الجدلية، الأمر الذي عبّر عنه البيان الصادر عن الشرع عقب الاجتماع، والذي ذكر بأن القرار قديم جداً ويعتمد على ظروف مختلفة، وأنه لا بد من إعادة النظر في بعض مواده.
وفي تصريحات له عقب اللقاء، التفّ المبعوث الأممي على النقاط الجدلية في الوقت الحالي، وصبّ تركيزه على استمرار تدفق المساعدات، وضرورة إجراء انتخابات والاتفاق على دستور جديد للبلاد، في وقت ذكرت فيه مصادر إعلامية سورية أن بيدرسن سيجري لقاءات موسّعة في الأيام المقبلة للنظر في المواد الإشكالية في نص القرار 2245.
وفيما كان أكّد وزراء خارجية دول «لجنة الاتصال العربية»، وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية، إلى جانب الولايات المتحدة، والذين اجتمعوا في العقبة في الأردن، دعمهم للقرار 2254، يبرز في الأجواء السياسية تياران رئيسيان: الأول تركي – قطري داعم لسلطة الجولاني، والثاني روسي – إماراتي يطالب بتطبيق فعلي للقرار الدولي (توسيع للسلطة)، في حين تتخذ الولايات المتحدة، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، موقفاً متأرجحاً، عبر الانفتاح على السلطة السورية الجديدة للضغط على روسيا بهدف إخراجها من سوريا، من جهة، والتعبير المستمر عن التخوف من تسلم التيارات الراديكالية السلطة في سوريا، ما قد يهدد المشاريع العديدة لإعادة اللاجئين السوريين والتخلص من عبئهم، من جهة أخرى.
تتابع دول الاتحاد الأوروبي مساعيها لفتح الباب أمام عودة اللاجئين
وفي محاولة للقفز على تلك الإشكاليات، طالب الشرع، عبر تصريحات نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، واشنطن، بشطب «هيئة تحرير الشام» من قوائم الإرهاب، داعياً إلى مد يد العون لجماعته لإعادة بناء سوريا. وفي تصريحات لاحقة، أشار الشرع إلى أن قواته «راعت القرار 2254 خلال دخولها المدن»، وانتقد اجتماع العقبة، معتبراً أنه ينقصه التمثيل السوري، وطالب في الوقت ذاته بضرورة إعادة النظر في القرار الأممي بسبب تغيّر الظروف، على حد تعبيره.
إلى ذلك، وفي سياق الضغوط المتزايدة على روسيا، بهدف إخراجها من قاعدتيها في سوريا (طرطوس البحرية، وحميميم الجوية)، دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إلى إخراج «التطرف وروسيا وإيران من سوريا».
وتابعت بعد اجتماعها مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي أوفد مبعوثاً إلى دمشق، أن «كثيراً من وزراء الخارجية شدّدوا على أن القضاء على النفوذ الروسي (في سوريا) يجب أن يكون شرطاً على الإدارة الجديدة».
أيضاً، ربطت هولندا بين تقديم المساعدات لسوريا، والوجود الروسي، وقال وزير خارجية هولندا، كاسبار فيلدكامب، إن إغلاق القواعد الروسية في سوريا، سيكون ضمن الشروط الأوروبية لتقديم الدعم للحكومة السورية الجديدة.
وتأتي هذه التصريحات بعد يوم واحد فقط من رفض الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات المفروضة على سوريا «قبل التزام القيادة الجديدة بحماية الأقليات وضمان حقوق المرأة، في إطار حكومة موحّدة ترفض التطرف الديني».
من جهته، نفى المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، وجود أي قرارات نهائية تتعلق بمصير القواعد الروسية في سوريا، مؤكداً أن الموضوع ما زال قيد النقاش.
وفي ردّه على سؤال حول صحة التقارير التي تفيد بأن موسكو تفكر في نقل قواعدها إلى ليبيا كبديل من سوريا، قال إن «هذه المسألة لم يتم البت فيها بعد»، وفقاً لوكالة «تاس»، مضيفاً أن بلاده على تواصل مستمر مع القوى المسيطرة على الوضع في سوريا، متابعاً أن القرارات المستقبلية المتعلقة بالقواعد الروسية ستُتخذ عبر الحوار مع الأطراف المعنية.
وبالتزامن مع ضغوطها على روسيا، تتابع دول الاتحاد الأوروبي مساعيها لفتح الباب أمام عودة اللاجئين، الأمر الذي يدفع رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى زيارة أنقرة التي تسيطر على المشهد السياسي والأمني في سوريا، وأصبحت المفتاح الرئيسي للحل في البلاد، اليوم.
وبحسب بيان للمفوّضية، فإن فون دير لاين ستناقش التغيرات السياسية في سوريا وتداعياتها الإقليمية والدولية، فيما من المقرّر، بحسب وسائل إعلام تركية، أن تقدّم أنقرة خلال اللقاء، رؤيتها للأوضاع في سوريا، وسبل إغلاق الطرق غير الشرعية للهجرة، بالإضافة إلى التركيز على ملف الأكراد، عبر استكشاف الموقف الأوروبي من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، المدعومة أميركياً وأوروبياً، وتعتبرها أنقرة امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» المصنّف على لوائح الإرهاب التركية.