صورتا التناقض الرئاسي: الإستقلالية الوطنية في مواجهة التهافت على الخارج – ميشال ن. أبو نجم

إذا أمكن لكل مواطن لبناني أن يعود قليلاً إلى الوراء، ويراقب تهافت المشهد الرئاسي، بعيداً من الخلفيات الطائفية والحزبية، لا يمكن له إلا أن يلاحظ صورتين متناقضتين، فيهما كل الفوارق.

الصورة الأولى، طبقة سياسية تتلبس لبوس المصلحة الوطنية اللبنانية، فيما هي غارقة في إرضاء الخارج. كل خطابها ومفرداتها تدور حول كيفية الإنصياع لما تريده هذه العاصمة أو تلك، وبمعنى آخر، هي في سلوكها التاريخي لا تملك قراراً وطنياً مستقلاً.

الترجمة لهذه الصورة واضحة في التعاطي مع السعي لمخالفة الدستور في ترشيح قائد الجيش. هكذا بات “التمسيح” بالدستور أو “الكتاب” المؤسِّس للدولة والجمهورية، عادةً طبيعية لدى هذه الطبقة لا تجد فيها أيَّ حرجٍ أو عيب. أما إذا قلبنا الوجه الآخر لهذا السلوك، فنجد أنَّ ترشيح العماد جوزف عون، أتى تحديداً من الخارج، ولم ينبثق من أيَّ إرادة داخلية، باستثناء بعض النواب. وبالتأكيد، لا يمكن هنا وضع ترشيح وليد جنبلاط ضمن السياق الداخلي الذاتي، بدليل تكرار اللازمة المعروفة عن “رادار” جنبلاط الذي يلتقط دائماً “ذبذباتٍ” خارجية بدقةٍ متناهية.

 

في مقابل كل هذا التهافت الرئاسي الداخلي، هناك صورة تمكنت من الحفاظ على ذاتيتها وشخصيتها، والأهم صورة الإستقلال الوطني بالتوازي مع التقدير الطبيعي للتأثير الكبير لأدوار القوى الغربية والعربية.

فمنذ اليوم الأول للشغور، وعلى الرغم من كل الضغوط ومحاولات التأثير، كان موقف التيار الوطني الحر منسجماً مع تاريخه وتراثه ومبادئه في انبثاق الرئيس، لا بل كل المؤسسات الدستورية، من إرادةٍ لبنانية ذاتيةٍ بحت. أنْ يحدِّد لنا الخارج وظيفة لبنان ودوره في المرحلة المقبلة، لا يعني ألا يكون للقوى الداخلية رأيها في هذا الدور الوظيفي، لا بل أنها هي المعنية الأولى بصياغته.

ولا شك أن القوى الغربية والعربية المعنية بلبنان، أدركت منذ زمن بعيد أن التيار الوطني الحر وقيادته لا يمكن الضغط عليهما بكل الطرق، مهما بلغت محاولات الترغيب والترهيب. وفي الأساس، فإن انطلاق الحالة العونية وتشكلها يمكن أن يؤرخ منذ إعلان 18 أيلول 1988 الذي رفض فيه العماد ميشال عون “اتفاق الإذعان” وكل محاولات الخارج، الوقحة، لتنصيب رئيس للبنان، حتى من دون ترك أي مجال لحفظ ماء الوجه اللبناني في إخراج الحل الرئاسي، آنذاك.

وهذه الإستقلالية البنيوية في التيار الوطني الحر، ترتبط بتمسك شديد بأسس الجمهورية، وأولها الدستور. فكيف يمكن تصور أننا نشيّد بناءً جديداً بعد كل الإنهيارات العميقة لا من جهة الحرب الإسرائيلية فحسب، بل لهذه التركيبة المستحكمة منذ العام 1992، على أساس المخالفات وتمزيق الدستور والقانون؟

لكل هذه الأسباب، يحقّ لمنتسبي “التيار” وقاعدته من المؤيدين، أن يفتخروا ويرفعوا رأسهم، لا بل أن يجعلوا من كل هذا السلوك انطلاقة متجددة في حراكهم السياسي في المجتمع اللبناني.

You might also like